الريادة وصناعة المستقبل
قرأت في ملخص كتاب «الأمير» لنيكولو ميكافيلي أن «الذين لا ينظرون إلى اضطرابات الحاضر فقط، ولكن أيضاً إلى ما سيقع منها في المستقبل، ويتأهبون له قبل وقوعه، فما يُمكن التنبؤ به يُمكن علاجه بسهولة، أما إذا انتظرنا إلى أن تُداهمنا المخاطر، فسيُصبح العلاج متأخراً عن موعده وتستعصي العلة»، فتوقفت للتأمل، وكيف يمكننا أن نرى المستقبل بكل وضوح، داخلياً وخارجياً، في الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها؟
بحثت في ذاكرتي، أو الذاكرة الإماراتية القريبة والبعيدة، فوجدت أن أكثر كلمة يتم ترديدها والعمل عليها في دولة الإمارات العربية المتحدة هي كلمة «المستقبل»، نعم فلدينا، بكل فخر، ماكينة عملاقة تشبه ماكينة عبور الزمن تماماً، تعمل على مدار الساعة، منذ ديسمبر 1971، تستكشف الطريق نحو المستقبل، ومع مرور الوقت يتم تحديث هذه الآلة الرائعة وتطويرها، لتمضي إلى أبعد نقطة ممكنة في المستقبل فتحاول التعرف عليه وتدقيق هويته وشأنه، وتسليط الضوء على عوالمه واحتمالاتها المختلفة، وتعود لنا بمعلومات وبيانات هائلة هامة يتم تحليلها ثم فرزها وتصنيفها بذكاء بالغ، ثم تستثمر في وضع الاستراتيجيات والخطط المُحكمة، ويتم بعد ذلك جمع فرق العمل المؤهلة وقياداتها الخبيرة لتنفيذ تلك الخطط بالحد الأعلى من الجودة والكفاءة.
قد تكون قدرة دولة الإمارات على رؤية المستقبل هي إجابة لكل تساؤل في كل مكان في العالم، حين يسألون: كيف صعدت دولة الإمارات إلى الفضاء؟ وكيف أصبحت هذه الدولة أقوى المنافسين على المركز الأول في معظم المؤشرات الحيوية العالمية؟ وكيف صدرت وثيقة «الأخوة الإنسانية» العالمية من عاصمة دولة الإمارات أبوظبي؟ وكيف حصلت دبي على تنظيم إكسبو 2020؟ وكيف باتت في أقل من خمسين عاماً أقوى دول الشرق الأوسط سياسياً واقتصادياً، فتتصدى للأزمات العالمية وتنشئ محطات الطاقة النووية وتسابق الريح في كافة المجالات؟
لو تناولنا سؤالاً واحداً مثل «لماذا تستثمر دولة الإمارات في الطاقة المتجددة والنظيفة عالمياً، وتجتمع قيادات العالم في أسبوع أبوظبي للاستدامة لتحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050 وتمهيداً لاستضافة دولة الإمارات مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ COP28؟»، فلابد أن الباحث سيجد أن تقرير «الآفاق العالمية للطاقة المتجددة.. تحول نظام الطاقة 2050»، الذي أصدرته الوكالة الدولية للطاقة المتجددة «آيرينا» في أبريل 2020 يقول إن «تحول نظام الطاقة يمكنه إحداث تطور اقتصادي واجتماعي واسع مدعوماً بسياسات شاملة لخفض انبعاثات الكربون، ومن شأن استخدام الهيدروجين والوقود الصناعي والتقنيات الكهربائية المباشرة وأنواع الوقود الحيوي وإدارة الكربون المساهمة في تحقيق الهدف العالمي المتمثل في خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بعد عام 2050 لتحقيق الحياد الكربوني، بالإضافة إلى نماذج الأعمال المبتكرة والتغييرات الهيكلية والتكيف السلوكي»، وكذلك يجد أن تقرير«التعافي بعد كوفيد: أجندة عمل لتحقيق المرونة والتنمية والمساواة»، الذي أصدرته «آيرينا» أيضاً يذكر أن «كل مليون دولار يتم استثمارها في قطاع الطاقة المتجددة توفر ثلاثة أضعاف عدد الوظائف التي يوفرها نفس حجم الاستثمار في قطاع الوقود الأحفوري وأن رفع الإنفاق الحكومي والخاص على الطاقات المتجددة من شأنه أن يحفز الاقتصاد العالمي ويوفر نحو 19 مليون فرصة عمل إضافية بحلول عام 2030»، فيفهم الباحث مع اندهاش شديد كيف ترى دولة الإمارات المستقبل بوضوح عميق.
المثير حقاً، وفي المثال ذاته، حول الطاقة المتجددة، يذكر التقرير العالمي أن الطاقة المتجددة تبرز باعتبارها «ركيزة أساسية من ركائز الاستدامة»، ما يجعلها في مقدمة الأولويات الاستراتيجية لدولة الإمارات العربية المتحدة التي تقود الجهود السبّاقة لتبني أحدث الابتكارات الدافعة لمسيرة مواجهة آثار تغيّر المناخ والتخفيف من الاحتباس الحراري مقدمةً مساهمات بارزة في دعم «أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030»، وأن دولة الإمارات اتخذت خطوات مُبكرة نحو الاستعداد لوداع آخر قطرة نفط وتحقيق التوازن بين التنمية والحفاظ على بيئة نظيفة وصحية وآمنة. وأن «دولة الإمارات هي التي تقود الجهود العالمية في قطاع الطاقة النظيفة والمتجددة من خلال استراتيجياتها واستثماراتها في هذا المجال، حيث تستهدف استراتيجية الإمارات للطاقة 2050 مزيجاً من مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة لضمان تحقيق التوازن بين الاحتياجات».
أصبح واضحاً، أن الذي يعرف المستقبل جيداً يعرف كل شيء، وأن بإمكانه أن يقود الآخرين نحو الطريق الأكثر أمناً وآماناً فيضع الخطط ويطلق الاستراتيجيات ويصبّ كل اهتمامه وتركيزه على التنفيذ، فيقهر التحديات ويتجاوز العقبات ويجلب الخير الكثير.
يقول رمز وقائد مرحلة الريادة وصناعة المستقبل، صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله ورعاه: «بلادنا تعرف طريقها جيداً نحو المستقبل، وتمتلك أدوات السير الواثق عبر دروب هذا الطريق ومنعطفاته، فهناك مرجعية وطنية واضحة لكل تحركاتنا وطموحاتنا وأهدافنا خلال الأعوام المقبلة ممثلة في وثيقة «مبادئ الخمسين» التي تحدد المسار الاستراتيجي للدولة في المجالات السياسية والاقتصادية والتنموية، وتشكل إطاراً لجميع مؤسساتها لتحقيق تطلعات شعبنا، والحفاظ على المصالح الوطنية العليا، وإقامة علاقات خارجية تخدم التنمية في الداخل وتعزز أسس السلام والاستقرار والتعاون في المنطقة والعالم».
* لواء ركن طيار متقاعد