الانتخابات النصفية.. اختبار لإدارة بايدن
تجرى الانتخابات النصفية الأميركية في الثامن من نوفمبر القادم، أي بعد أقل من أسبوعين. وتقليدياً، جرت العادة أن يكون أداء الحزب الحاكم في هذه الانتخابات ضعيفاً نظراً لأنه يحمَّل مسؤوليةَ كل الأمور السلبية التي حدثت خلال الأشهر السابقة، وخاصة في ما يتعلق بالمواضيع التي لها تأثير على القدرة الشرائية للأميركيين وحالة الاقتصاد بشكل عام.
غير أنه في هذا الصيف، كانت إدارة بايدن متفائلةً على نحو متزايد بشأن قدرتها على النجاة من هزائم في الكونجرس. ذلك أن التضخم المنفلت بدا أنه في تراجع، وأسعار الغازولين المهمة جداً كانت في انخفاض. وكانت الأغلبية المحافظة في المحكمة العليا الأميركية قد أصدرت قراراً يقضي بأن حق المرأة في الإجهاض يعود لحكومات الولايات حصراً وليس للسياسات الفدرالية، الأمر الذي أثار ضجةً كبيرةً بين كثير من الليبراليين والمعتدلين، لا سيما الناخبين المستقلين المهمين في الولايات المتأرجحة الرئيسية. وفضلا عن ذلك، شملت اختيارات «الجمهوريين» لمناصب في مجالس النواب والشيوخ والحكومات على مستوى الولايات بعض المرشحين المتطرفين الموالين لترامب الذين ما زالوا يظنون أن انتخابات 2020 الرئاسية «سُرقت» ويبدُونَ متشددين على نحو متطرف في نظر الكثيرين. وفي الأثناء، استطاع بايدن أخيراً الحصول على عددٍ كافٍ من الأصوات في الكونجرس لصالح تشريع جديد كبير، ألا وهو «قانون خفض التضخم». هذا القانون الجديد يشمل سياساتٍ لخفض تكاليف الأدوية ولدعم الرعاية الصحية وبرامج لتحسين سياسات تغير المناخ.
لكن الآن، وبعد شهرين على ذلك، يخشى «الديمقراطيون» أن يكون تحسّن نتائجهم في استطلاعات الرأي خلال الصيف أتى مبكراً جداً وقبل الأوان. ذلك أن التضخم ما زال مرتفعاً، وأسعار الغازولين من المحتمل أن ترتفع خلال الأشهر المقبلة.. والمهم بشكل خاص أن المخاوف بشأن الجريمة والتشرد والهجرة غير القانونية، باتت تهيمن على عناوين وسائل الإعلام من جديد. وفي هذا السياق، تُظهِر مقاطع فيديو ليلية أفراد عصابات يسرقون من متاجر للسلع الفاخرة في المدن، وتَعرض قنواتٌ إعلاميةٌ رئيسيةٌ أعمالَ عنفٍ عشوائي في الشوارع وميترو الأنفاق. هذه الصور عززت الادعاءات «الجمهورية» التقليدية القائلة بأن الديمقراطيين «متراخون» بشأن الجريمة وليست لديهم مخططات لحل أزمة الهجرة وإنهاء العدد المتزايد من مخيمات المشردين في المدن الكبيرة.
واليوم، تشير استطلاعات الرأي إلى أن الجمهوريين باتوا في وضع يسمح لهم بالفوز بأغلبية مقاعد مجلس النواب وربما ببسط سيطرتهم على مجلس الشيوخ الأميركي أيضاً. وإذا حدث ذلك بالفعل، فلا شك في أن آمال بايدن والديمقراطيين بتمرير تشريع جديد لدعم أجندتهم ستتضاءل. وعلاوةً على ذلك، فإن سيطرةً «جمهوريةً» على الكونجرس تعني أنه ستكون هناك نهايةٌ للتحقيقات حول الشبهات المثارة حول إدارة ترامب. بل أيضاً يمكن أن تكون هناك لجان جديدة يتم تشكيلها من أجل التحقيق في طريقة تعاطي بايدن مع الانسحاب من أفغانستان وأنشطة ابنه هانتر بايدن التي تحوم حولها بعض الشكوك.
والواقع أن بايدن ستبقى لديه، رغم ذلك، سلطة الفيتو الرئاسي لعرقلة بعض التشريعات الأكثر تطرفاً التي قد يمررها الجمهوريون، لكن استخدام الفيتو لن يساعده حين يحاول إقناع الأميركيين بإعادة انتخابه في عام 2024. ووفق هذا السيناريو، هناك إمكانية لأن يكون بايدن نفسه تحت ضغط متزايد من أجل عدم الترشح مرة أخرى بالنظر إلى سنه وصحته.
أما إذا أبلى الديمقراطيون بلاءً أحسن مما كان متوقعاً في انتخابات نوفمبر وحافظوا على سيطرتهم على مجلس الشيوخ، فإنهم يستطيعون استخدام أغلبية ضئيلة لتأكيد عدد من المناصب المهمة، وخاصةً في القضاء. وفي هذه الظروف، قد تقل الضغوط على بايدن كيلا يترشح للانتخابات مرة ثانية بينما قد تزداد الدعوات الجمهورية لترامب من أجل العدول عن ترشيح نفسه للرئاسة من جديد. والواقع أن ترامب ما زال يحظى بدعم مرتفع بين قاعدة أنصاره، غير أنه بات يواجه معارضةً متزايدة من منافسيه المحتملين مثل حاكم فلوريدا رون ديسانتيس، ونائب الرئيس السابق مايك بانس، ووزير الخارجية السابق مايك بومبيو. لكن إذا تمكن أولئك المرشحون الجمهوريون الذين دعمهم ترامب، والذين ما زالوا يرون أن انتخابات 2020 سُرقت، من الفوز في انتخابات نوفمبر، فإن ترامب سيكون في موقف قوي إن كان يرغب في خوض غمار انتخابات شرسة أخرى.
*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز «ناشيونل إنترست»- واشنطن