حرب أوكرانيا وآثارها العالمية
الحرب في أوكرانيا لها تداعياتٌ كبيرة على الدول الأوروبية، بل وعلى دول العالم ككل وعلى «النظام العالمي الجديد» الذي تسوده أكثر من أي وقت مضى سمات أربع: التقلب، والتوجس، والتعقيد، والغموض. فهناك تغيرات جيوسياسية واسعة في أوروبا وفي أهداف حلف «الناتو» والنظام العالمي القائم، ولربما نعيش في بداية حقبة قد تسيطر فيها الصينُ على تايوان وجنوب شرق آسيا وميلاد ثلاث كتل كبرى في العالم، أميركية وروسية وصينية. إلا أنه قد تعم الفوضى والصراع العالميين جراء ذلك، حيث ستتكيف كل منطقة في العالم بشكل متزعزع مع التكوين الجديد للقوة.
وسنتطرق في هذه المقالة إلى بعض العواقب والإجراءات التي لم تكن سلفاً في الحسبان، وبدأت تتبناها الدول أو تظهر لأول مرة في النظام العالمي الجديد: - الحرب في أوكرانيا عززت الاهتمام في جميع أنحاء أوروبا ببناء محطات طاقة نووية جديدة أو إطالة عمر المحطات القديمة، لتقليص اعتمادها على النفط والغاز الروسيين، فبلجيكا على سبيل المثال أجرت تغييراً في قرارها المتعلق بالإبقاء على مفاعلين كان من المقرر إغلاقهما، كما دعت جمهوريةُ التشيك الشركات الغربية لإمدادها بوقود نووي بدلا من الإمدادات الروسية.
أما بولندا فتتفاوض لبناء مفاعلات نووية جديدة، كما تعتزم بريطانيا تشييد ثمانية مفاعلات نووية، وتوسيع إنتاج طاقة الرياح ضمن مساعيها لخفض الاعتماد على النفط والغاز الطبيعي المستوردَين من روسيا.
ولا ينبغي أن ننسى أن الاهتمام المتزايد بالطاقة النووية، يأتي في الوقت الذي تُظهر فيه الحرب في أوكرانيا مخاطر بناء مفاعلات نووية على خط المواجهة مع حلف شمال الأطلسي.
- التأثيرات الاقتصادية للحرب التي تدور رحاها بين روسيا وأوكرانيا قد تكون لها تداعيات سياسية سلبية خطرةٌ على الزعماء في الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وبريطانيا، وقد تجلت تلك التأثيرات بالفعل في معدلات التضخم المتصاعدة وفي ارتفاع تكاليف المعيشة.
- بالإضافة إلى الخسائر البشرية والاقتصادية، يشعر صندوق النقد الدولي بالقلق إزاء تداعيات الحرب على كل أنحاء العالم.. إذ خلال أقل من ثلاثة أسابيع من الصراع، ارتفعت أسعار الطاقة والمواد الغذائية بشكل حاد. وبالنسبة إلى سلع مثل القمح، فقد تكون التأثيرات أكبر.. فالأمن الغذائي العالمي بدأ يتعرض للخطر، كما أنه يعني الجوع في بعض الدول الأفريقية جنوب الصحراء الكبرى.
وأوكرانيا هي «سلة الخبز لأوروبا»، بينما تعد روسيا من أكبر الدول المصدِّرة للقمح، وهما تستحوذان معاً على ثلث التجارة العالمية لهذه الحبوب، ويجري تصدير معظم القمح الأوكراني في فصلَي الصيف والخريف. وكلَّما طالت الحربُ، ازداد الخطر على الصادرات، وهو أمر سيؤثر على الاحتياطات الحالية والمستقبلية. وقد أشار «برنامج الأغذية العالمي» منذ أيام إلى أن بعض الدول، مثل مصر التي تعتمد بشكل كبير على واردات الحبوب من روسيا وأوكرانيا، ستتأثر بصورة فورية من هذا الصراع.
*أكاديمي مغربي