إذا كان الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي مدركين أن الوقت الحالي غير مناسب للعودة إلى مفاوضات السلام، حيث تمر السلطة الفلسطينية بظروف صعبة، وكذلك تتولى السلطة في تل أبيب حكومة تواجه صعوبات سياسية، فإن كليهما يتعرضان لضغوط أميركية شديدة لتخفيف حالة التوتر بينهما، على أمل أن تتكثف جهود الأطراف الثلاثة لتحقيق بعض الإنجازات الاقتصادية والاجتماعية، لتكون مخرجاً مؤقتاً قد يساعد في استعادة بناء الثقة، تمهيداً لاستئناف العملية السياسية حينما تتوفر الظروف المناسبة.
وتشير تقديرات وكالة «الأونروا» إلى أن أكثر من 5 ملايين فلسطيني يعيشون كلاجئين في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة والدول المضيفة المجاورة. وعلى الرغم من ذلك، فقد أقدم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، على وقف تمويلها تمهيداً لتصفيتها، وإنهاء ملف اللاجئين.ومنذ ذلك التاريخ يشهد الاقتصاد الفلسطيني أصعب أزمة مالية متدحرجة. وقد تفاقمت مع تناقص عائدات الضرائب التي تجبيها إسرائيل لصالح السلطة، بفعل اقتطاعات تصل إلى 60 مليون دولار شهرياً من هذه العائدات التي تبلغ 220 مليون دولار.
وتزامن ذلك مع تراجع حاد في المساعدات الخارجية والإيرادات المحلية نتيجة تداعيات جائحة كورونا، إضافة إلى تراكم مديونية الحكومة للبنوك حيث تجاوزت 2.3 مليار دولار في يونيو الماضي. وتراجع الناتج المحلي بنسبة 11.3% إلى 14 مليار دولار. ومن هنا رأت واشنطن أن تخفيف الأزمة المالية مفتاح لتخفيف التوتر في الأراضي الفلسطينية. ولذلك أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن عن استئناف المساعدات للفلسطينيين، وتمويل ودعم وكالة «أونروا».
وبما أن قراره يصطدم حتى الآن بقانون كان الكونغرس أقره، ويقضي بربط المساعدات للسلطة بوقف مدفوعاتها لعوائل الشهداء والجرحى والأسرى، وأن تغيير هذا القانون يحتاج إلى عدة أشهر، فقد وجّهت واشنطن ضغوطها نحو الحكومة الإسرائيلية لاتخاذ خطوات من شأنها التخفيف من الأزمة المالية للسلطة، وتضمنت منحها قرضاً بـ155 مليون دولار، يضاف إلى مبلغ المقاصة الشهري، ومنح تصاريح لنحو 15 ألف فلسطيني إضافي للعمل في الأراضي المحتلة. وإضافة إلى ذلك، وقعت الإدارة الأمير كية اتفاقية مع الأونروا لتمويلها بمبلغ 135 مليون دولار، لكن هذه الاتفاقية أشعلت حالةً من الغضب الفلسطيني العارم لما تضمنته من «شروط قاسية ومستفزة» تمس قضية اللاجئين وتهدد بتصفيتها، كما وصفتها القوى الفلسطينية التي أكدت بأنها تتناقض مع التفويض الممنوح للوكالة من قبل الأمم المتحدة، ومع القانون الدولي ومبادئ حقوق الإنسان، وهي تحوّل «الأونروا» إلى«أداة سياسية أمنية في يد دولة أجنبية».
ويبدو أنه مهما كانت دوافع الخطوات الإسرائيلية تجاه السلطة الفلسطينية، فهي تبقى ناقصة وقصيرة الأثر، ما لم تتطور إلى حوار سياسي يتناول السبب الحقيقي للاختلالات البنيوية في الاقتصاد الفلسطيني، خصوصاً أن معاناة الفلسطينيين ليست جديدة، بل تعود إلى عدة عقود مضت، وهم ما زالوا يعانون من سياسات التهميش الاقتصادي والتمييز والاستغلال ومصادرة الأراضي والموارد. وإذا حصل أي تغيير في الممارسة، فلابد أن يتناسق مع مصالحهم ويلبي احتياجات اقتصادهم.
*كاتب متخصص في القضايا الاقتصادية