بينما تحاول عملة البيتكوين استرداد سعرها الأخير بعد انخفاض خلال الآونة الأخيرة بنسبة 40%، فإن إمكاناتها طويلة الأجل كأصل قابل للاستثمار أصبحت مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بتكلفتها بالنسبة لبقية المجتمع.
يؤدي هذا إلى زيادة الضغط على صانعي السياسات لبذل المزيد. أشارت «لايل برينارد»، من مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، إلى ذلك، عندما حذرت من أن انتشار أنظمة المدفوعات البديلة قد يؤدي إلى التجزئة وزيادة التكاليف على الأسر والشركات، مما يشير إلى وجود حاجة لتوسيع «النطاق» التنظيمي للعملات المشفرة.
ومع ذلك، لا تزال «قذارة» البيتكوين مصدر القلق الرئيسي. إن البصمة الكربونية لعمال المناجم المتعطشين للطاقة، والتي أنذرت بالخطر عند الارتفاع المفاجئ للأسعار بسبب الجائحة في بداية عام 2021، لا يمكن فصلها الآن عن الطريقة التي ينظر بها السياسيون والمستثمرون للعملة المشفرة.
كانت هناك بعض الأخبار الجيدة بالنسبة لعمالقة العملة المشفرة بين عشية وضحاها، مع تغريدة أخرى من «إيون ماسك»، الملياردير صاحب شركة تسلا المذبذب بشأن تأثير البيتكوين البيئي. فقد قال إن شركات العملات المشفرة في أميركا الشمالية وعدته بمزيد من الشفافية بشأن مزيج الطاقة لديها -وهو تلميح «واعد» لأيام قادمة أكثر مواءمة للبيئة.
هذا النقاش ضروري. يحتاج المواطنون إلى معرفة التأثير الاجتماعي الأوسع لموارد الحوسبة المستخدمة من خلال استحداث (أو تعدين) عملات بيتكوين جديدة وإجراء المعاملات. لقد فاقت متطلبات الطاقة الخاصة بالعملة المشفرة بلدانا بأكملها.
تم استنفاد تكاليف تقدر بنحو 5 مليارات دولار في التعدين بحلول بداية عام 2018، وفقا لتقرير صادر عن المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية، لكن هذا لم يشمل جميع التكاليف التي دفعها المجتمع -ليس أقلها أكثر من 80% من الأميركيين الذين لا يمتلكون العملات المشفرة. قدرت دراسة واحدة لعام 2020، استناداً إلى الطاقة المطلوبة لكل عملة، أن كل دولار واحد من قيمة البيتكوين التي تم إنشاؤها كان مسؤولاً عن 0.49 دولار من قيمة الأضرار الصحية والمناخية في الولايات المتحدة و0.37 دولار في الصين.
ووجدت دراسة أخرى، أعدتها «لاريسا ياروفايا» من جامعة ساوث هامبتون، علاقة قوية بين تقلب أسعار البيتكوين، وتلك الخاصة بأسهم شركات الكهرباء في مناطق التعدين النشطة للغاية. قد يشجع المزيد من الشفافية بشأن التعدين على تحول أكبر نحو مصادر الطاقة المتجددة، ولكنها ستؤدي أيضاً إلى مزيد من التدقيق فيما وصفه أحد المشرعين بأنه «زيادة الطلب بلا حدود تقريبا على الطاقة» من صناعة العملات المشفرة.
تغذي هذه التأثيرات الاقتصاد الحقيقي، وليس بطريقة جيدة قد تجعل صانعي السياسات متحمسين بشأن توفير الوظائف أو تكوين الثروة. أدى الطلب على أجهزة الكمبيوتر لتعدين العملات المشفرة إلى جعل شرائها أكثر تكلفة -وغالباً ما تكون باهظة التكلفة -لأي شخص آخر، لدرجة أن صانعي الرقائق مثل شركة «نفيديا» قاموا بتغيير منتجاتهم عن قصد لجعلها أقل كفاءة عند استخدامها من قبل القائمين على التعدين.
بالنسبة إلى المبشرين، تتم موازنة هذه التكاليف من خلال مزايا اللامركزية التي تجلبها عملة البيتكوين: «نظام دفع إلكتروني يعتمد على إثبات التشفير بدلا من الثقة»، كما جاء في الدراسة الأصلية. يسميها المستثمر الملياردير «راي داليو» «جحيم الاختراع». من دون التعدين المهدر، لن تكون هناك تقنية سلسلة الكتل «البلوك تشين» الخاصة بالبيتكوين، نظراً لأن الاثنين مترابطان.
تشجع عملة البيتكوين على الاكتناز والمضاربة، على غرار الذهب الرقمي، بدلا من تقديم وسيلة مفيدة اجتماعياً للمدفوعات اليومية. إنها أيضاً تشكل تكلفة على المجتمع عندما تُفقد الأموال أو عندما تتهرب الأصول المشفرة من الضرائب، وهو أمر تحاول إدارة بايدن علاجه بشكل مبرر. تشجع المضاربة بالعملات المشفرة أيضاً على النشاط الضار، بما في ذلك اختراق أجهزة الكمبيوتر لتعدين العملات المشفرة واحتجاز بيانات الأشخاص مقابل فدية، حيث بلغت تكلفة جرائم الإنترنت تريليون دولار العام الماضي.
بشكل مشجع، لا يرفض جميع المطلعين على العملات المشفرة التكاليف الاجتماعية على أنها «خوف وعدم يقين وشك» أو ما يعرف اختصارا ب «FUD». حذر «راي ديلنجر» في يناير من أن عملة البيتكوين أصبحت «كارثة» و«فشل»، مشيراً إلى فساد وإهدار التعدين على وجه الخصوص. ويقوم «فيتاليك بوتيرين»، أحد مؤسسي عملة «الإيثريوم»، بالترويج بذكاء للتحول إلى تعدين «إثبات الحصة»، بدلا من «إثبات عمل» البيتكوين، كبديل أكثر كفاءة في استخدام الطاقة. (يتم استخدام إثبات العمل للتحقق من صحة المعاملات واستخراج الرموز المميزة الجديدة، ولكنه يتطلب شبكة عالمية من أجهزة الكمبيوتر تعمل على مدار الساعة.)
لكن المعنى الضمني هو أن مشاكل البيتكوين معقدة ولن يتم إصلاحها من دون تنظيم. يقول «يو شيونج» من جامعة «سري» البريطانية، المؤلف المشارك لورقة بحثية عن التعدين: «إذا تركنا عملة البيتكوين تنمو، فستكون التكاليف الاجتماعية مرتفعة للغاية». وهو يقترح فكرة تراخيص التعدين المحددة. لم تقض تعليقات ماسك الأخيرة على تهديد التدخل.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»