تفاوت معدلات النمو بين البلدان هذا العام ليس الخطر الوحيد الذي يواجه التعافي الاقتصادي العالمي، بل ينبغي أيضاً التعاطي مع الخطر المتنامي لأزمة ديون نظامية في العالم النامي تُبرز التباين القوي بين ديناميات الديون المثيرة للقلق في أكثر الاقتصادات هشاشة والترف الموجود في بلدان العالم الغنية. هذا التباين تغذّيه الاختلافات في مرونة السياسات والمرونة المالية التي تضخّم صدمة التفاوت التي تسبب فيها كوفيد- 19 للاقتصاد العالمي. غير أنه يمكن لجهود محاربة هذه المخاطر أن تصبح فعالة من خلال تخفيف عبء الديون على نحو أكثر جرأة ودعماً للنمو وفي وقت مناسب.
والواقع أن كل الاقتصادات عبر العالم تقريباً اتّبعت خطة مماثلة في ردها على «التوقف الفجائي» الذي أعقب تفشي كوفيد 19 العام الماضي. إذ اتخذت تدابير مالية ونقدية مهمة للتقليل من تأثير الاضطرابات التي نجمت عن ذلك على حيوات الناس وسبل عيشهم بسبب وباء فتاك. وشملت تلك الإجراءات اعتماداً كبيراً على التمويل بالعجز والتمويل بالاقتراض، من أجل حماية السكان من تأثيرات الفيروس وفقدان الدخل.
المبدأ الموجِّه كان عبارة عن خليط من التدابير الاستثنائية التي أملتها الضرورة والانخراط الكامل للحكومات بسبب ظروف الجائحة. وقد استند كل ذلك إلى الدرس الذي استُخلص من أزمة 2008 المالية العالمية. ذلك أن العدو الذي ينبغي التغلب عليه بسرعة الآن يشبه العدو الذي كان موجوداً في 2008: انهيار في الثقة في الطرف المقابل. غير أن الأمر هذه المرة لم يكن مالياً وبين البنوك، وإنما له علاقة بالصحة وبين البشر. وكانت إحدى النتائج الحتمية لذلك زيادات غير مسبوقة في مستويات الديون حول العالم. غير أنه مع تقدم 2020، أصبح واضحاً أن الأمر لا يتعلق بأزمة من جولة واحدة. فمع تعاقب موجات الفيروس، أصبح واضحا أن الأمر يتعلق بظاهرة متعددة الجولات كشفت بشكل متزايد عن الاختلافات بين رغبة البلدان وقدرتها على استخدام جولات متكررة من تدابير الإغاثة النقدية والمالية الضخمة.
على أحد طرفي الطيف هناك الولايات المتحدة، التي سخّرت موارد هائلة، بعد بعض التأخر السياسي في النصف الثاني من 2020. ويشمل ذلك ما قيمته 1.9 تريليون دولار من تدابير الإغاثة والتي رفعت الدعم المالي الأميركي إلى 27% من الناتج المحلي الخام في عام واحد، وهو مستوى كان من المستحيل التفكير فيه من قبل – وجهداً نقدياً كبيراً مماثلاً. وعلى الطرف الآخر هناك بلدان نامية هشّة تواجه مشاكل الديون، وغير قادرة على الوصول إلى تمويل خاص مستديم، وتعتمد على المساعدة العامة بشكل متزايد، وأكثر تردداً من أي وقت مضى في فرض قيود تتعلق بالصحة خشية إضعاف سبل عيش السكان الهشة أصلاً، وذلك على الرغم من موجات العدوى الجديدة وارتفاع حالات دخول المستشفى من أجل العلاج.
ولئن كان الاقتصاد العالمي سيستفيد من التأثيرات الجانبية لارتفاع طلب اقتصاد أميركي سريع النمو، فإن ذلك ينطوي أيضاً على خطر تداعيات داخلية وعابرة للحدود غير مقصودة لمسرّع سياسات في وقت يكتسب فيه الاقتصاد زخماً في الاتجاه الصحيح. ولهذا، ستثار تخوفات بشأن مخاطر ردود فعل مبالغ فيها من قبل السوق على ارتفاع في التضخم وما ينطوي عليه ذلك من زعزعة لاستقرار السوق المالي.
وطبعاً، السياق بالنسبة للبلدان النامية الهشّة هو عكس ذلك. إذ تواجه هذه البلدان رحلة شاقة وصعبة في 2021 مع قدرة محدودة بخصوص مسرّعات فعّالة للسياسات الداخلية. ذلك أن السياسة المالية مقيّدةٌ بقيود على كل من التمويل بالاقتراض والتمويل التضخمي. وعلى سبيل المثال، فإن سياسة نقدية فضفاضة بشكل أكبر مما ينبغي تنطوي على خطر زعزعة استقرار العملات، مع عواقب وخيمة بالنسبة لمستوى المعيشة، وخاصة بالنسبة للفقراء. وبالتالي، هناك تخوف حقيقي من أن ينتهي الأمر بعدد متزايد من البلدان الفقيرة إلى أسوء ما في الوجود، أي: نمو غير مُرض، ومضاعفة فخاخ الديون، ومشكلة ديون نظامية متزايدة.
وعليه، فمن أجل التعافي بشكل سليم من صدمة كوفيد التي قضت على عقد من جهود مكافحة الفقر في بعض الحالات، تحتاج هذه البلدان إلى مزيد من المساعدات الخارجية.
ما يمكن فعله من أجل تعزيز تدابير تخفيف عبء الديون على نحو يدعم النمو، مع التركيز على نقطتين بشكل خاص، ألا وهما: تمديد «مبادرة تعليق خدمة الدين»، وتقاسم عادل للأعباء تحت «الإطار المشترك لمعالجة الديون خارج»المبادرة«»، أو «الإطار المشترك» ببساطة، التابع لمجموعة العشرين.
إن أحد الدروس المهمة المستخلصة من «العقد الضائع» لأميركا اللاتينية في الثمانينيات هو أن عبء الديون الثقيل يُضعف نمو البلدان وإمكانياتها بخصوص الاستثمار بشكل كبير، ما يفرض معاناةً معتبرة على القطاعات الأكثر هشاشة من السكان. وأحد الدروس الرئيسية لمبادرة «البلدان الفقيرة المثقلة بالديون» في التسعينيات هو أن تخفيفا محفِّزاً ومصمَّماً بشكل مناسب للديون يمكن أن يعبّد الطريق لنمو مرتفع وتنمية أسرع بالنسبة لمن هم في أمس الحاجة إليها في العالم النامي. ولنأمل أن يستوعب كل المقرِضين هذين الدرسين. إذ من دون ذلك، يمكن أن يضاعف العالم فخاخ الديون ويزيد من عبء الديون النظامية بسبب الوباء، ما سيتسبب في مزيد من المعاناة لسكان يعانون أصلاً وتكريس تفاوت التعافي من كوفيد- 19.
* خبير دولي ومستشار اقتصادي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»