كما هي النهضة والتنمية، وتحقيق طموحات الوطن في التقدّم والتطور أولوية في سياسة دولة الإمارات ونهجها، فإن المحافظة على البيئة وصونها، وتوفير الظروف التي تضمن لمكوناتها وعناصرها حقَّها في الحياة، والمحافظة على النوع أولوية هي الأخرى.
فعلى الرغم من انشغالها بما شهدته من نقلات حضارية نوعية متسارعة، وسباقها مع الزمن لحجز المكان الذي تستحقه في الصفوف الأولى بين دول العالم وأممه، فقد كانت قيادة الإمارات على الدوام متنبّهة لهذه الأولوية التي حظيت بما تستحقه من الرعاية والاهتمام، وحريصة على تخصيص جزء مما حباها الله تعالى به من نعم وثروات لمصلحة العناية بالبيئة، والحدّ من تأثير التطور وما ينتج عن استغلال الموارد فيها، باعتبارها أيضاً واحدة من الثروات التي تجب المحافظة عليها لتنعم بها الأجيال الحاضرة والقادمة.
في هذا المجال، أرسى مؤسس الدولة، وباني نهضتها، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيّب الله ثراه»، نهجاً متفرداً جعل من الإمارات نموذجاً عالميّاً في حماية البيئة واستدامة الموارد الطبيعية، وحقق من خلاله ما كان يعتبره الخبراء والمتخصصون معجزات، فَحَوَّل الصحراء إلى حدائق غنّاء، وأعاد الكثير من أشكال الحياة البريّة التي كانت على وشك الاختفاء إلى مواطنها، وأسهم أيَّما إسهام في دعم الجهود العالمية لوقف التدهور البيئي الذي نجم عن تطرّف الإنسان وإسرافه في استغلال الطبيعة، حتى لُقِّب «رحمه الله»، بـ «رجل البيئة الأول».
هذا النهج تواصل وتعزّز وأصبح علامة إماراتية بامتياز، وواحداً من أبوب التفرد الذي حققته الدولة، وتجسّد في تطوير التشريعات والقوانين التي تردع الاعتداء على البيئة، وتوفير الموائل والملاذات الآمنة للأنواع الأصيلة التي استوطنت المنطقة على مرّ العصور، عبر إنشاء المحميات الطبيعية لها، بل واستعادة العديد من الأنواع التي كانت على وشك الانقراض.
ضمن هذا النهج الصالح، تأتي «المئوية البيئية 2071» التي أعلنت هيئة البيئة في أبوظبي أنها ستطلقها العام الجاري لتكون بمنزلة رؤية بيئية شاملة طويلة المدى للأعوام الخمسين المقبلة، لتسهم في حماية البيئة الطبيعية، والتصدي لتغير المناخ، وتربط التخطيط البيئي بالقطاعات الأخرى ذات الأولوية، كالاقتصاد، والطاقة، والصحة، إلى جانب استكشاف التكنولوجيات المتقدمة الخضراء.
لا تطغى في رؤية قيادة الإمارات أولوية على أخرى، فلكل منها نصيبه من المتابعة والرعاية والاهتمام، في معادلة فريدة تحرص على تحقيق التوازن بين ما هو ضروري لمواكبة ما يشهده عالم اليوم من طفرات تكنولوجية تسهّل حياة الإنسان، وتحقق له المزيد من الرفاهية، وبين المحافظة على ما أوجده الخالق في هذه الأرض من نظم يمكن أن يؤدي الإخلال بها، والإضرار بمكوناتها إلى تدمير الكثير من أشكال الحياة.
* عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.