خلال العام الماضي شهدت العلاقات بين الهند والصين تدهوراً في ظل تدني الثقة بينهما منذ وقوع مشكلة على الحدود، لكن هناك جانباً قوياً في العلاقات الثنائية بين البلدين يتجسد في التجارة.
فقد نقلت وسائل إعلام صينية وهندية عن بيانات الجمارك الصينية أن الصين استعادت مكانتها كأكبر شريك تجاري للهند، مزحزحة الولايات المتحدة عن هذا الموقع العام الجاري والماضي، وارتفع حجم التجارة 70% ليصل إلى 48 مليار دولار في الشهور الخمسة الأولى من العام الجاري. وهذا التوجه أكد مدى ارتباط الاقتصاد الهندي بالصين، وأن العلاقات الاقتصادية واصلت تحسنها، على الأقل، حين تتعلق بالتجارة في البضائع.
ولذا، من الواضح أن السوق يستجيب للمتطلبات الاقتصادية الأساسية، ولا يرتبط بالعلاقات السياسية. وهناك توجه آخر محل ترحيب، حتى ولو لم يدم طويلاً هو أن الصادرات من الهند إلى الصين زادت أيضاً. والحقيقة أن العامل المحوري للصين في تبوء موقع الولايات المتحدة لدى الهند كأكبر شريك تجاري هو زيادة الصادرات الهندية إلى الصين. فقد استوردت الصين، في غمرة مسعى لتحسين بنيتها التحتية الداخلية، كميات متزايدة من خام الحديد من الهند في الشهور الأربعة الأولى من العام الجاري، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وزادت صادرات الهند إلى الصين 16% على مدار العام الماضي.
والعجز التجاري بين الهند والصين مثل قضية مهمة لنيودلهي. فعلى مدار العامين الماضيين، ركدت الصادات وتزايد العجز لصالح الصين، لكن التقلص يتراجع حالياً وهذا يرجع في جانب منه أيضاً إلى أن الأسواق الصينية انفتحت بشكل أكبر أمام المستثمرين بسبب الجائحة. والتوجه يوضح أن مثل هذه الروابط الاقتصادية لا يتحكم فيها المشكلات السياسة، ولكنها تعتمد على العرض والطلب، ومن ثم، إذا أصبح السوق مفتوحاً ولديه طلب، لن يتراجع النشاط الاقتصادي. وهذا يوضح أيضاً أنه رغم الجهود داخل الهند لزيادة الاعتماد على المنتجات المحلية، فإن تقليل الارتباط بالاقتصاد الصيني ليس سهلاً. فاقتصاد الهند وثيق الصلة بالاقتصاد الصيني.
وبسبب رخص المنتجات الصينية بالنسبة لكثير من الأسر الهندية، يفضل كثيرون من الهنود المنتجات الصينية، لأنها الأرخص في السوق، في معظم الحالات. وهذا أصبح أكثر حيوية، لأن الجائحة قلصت دخول الأسر، وأدت إلى عدم يقين اقتصادي وفقدان للوظائف. وفي هذا المناخ، يفضل الناس شراء المنتجات الصينية الأرخص.
ويُتوقع، هذا العام، تزايد التجارة بين الهند والصين، لأن الهند أثناء الموجة الثانية من كوفيد-19 صدّرت مستلزمات طبية بأعداد كبيرة مثل الأوكسجين والعقاقير وغيرها. وتزايد الحاجة إلى مستلزمات انقاذ الحياة والعقاقير سينعكس على الأرجح على التجارة هذا العام. لكن رغم النشاط التجاري القوي بين البلدين، فالواقع أن هناك مسعى لزيادة الاعتماد الهندي على المنتجات المحلية لتقليص الاعتماد على استيراد السلع من الخارج.
والحكومة تبحث وسائل لتقليص هذا الاعتماد في مجالات تستطيع فيها الهند تعزيز صناعاتها المحلية مثل العقاقير والإلكترونيات. وضمن هذا الإطار تجدر الإشارة الى أن الاعتماد على الصين بلغ درجة أنه لو قررت الصين وقف تصدير المكونات الفعالة في انتاج البنسلين، لن تستطيع الهند إنتاجه بالمرة. والعام الماضي، وافقت الحكومة الهندية على مقترح لتقديم حوافز تتعلق بالإنتاج المحلي تبلغ نحو 1.45 تريليون روبية هندية للمصنعين في عشرة مجالات تتضمن السيارات والعقاقير والمنتجات الغذائية. وهذا يأتي في الوقت الذي دعا فيه رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، إلى تبني فكرة جعل الهند قادرة على الاعتماد على نفسها بعد جائحة فيروس كورونا.
لكن الميزان التجاري مازال يمثل موضع اهتمام بسبب احتمال عدم استمرار طلب الصين على المواد الخام، نظراً لارتباط هذا بمسعى البلاد لتحقيق نمو من خلال إقامة بنية تحتية. وتحتاج الهند بشدة لأن تصدر منتجات ذات قيمة مضافة بدلاً من تصدير المواد الخام. وهذا يعني تشجيع التصنيع المحلي لجعل الهند مركزاً نشطاً للتصنيع. لكن هذا أيضاً يمثل تحدياً، لأن التصنيع في الهند يمثل 11% من الإنتاج المحلي الإجمالي، بينما يمثل التصنيع في الصين 26.77% من الإنتاج المحلي الإجمالي.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية في نيودلهي.