يوم الأربعاء قبل الماضي، وفي محاولة أخيرة لإثبات ولائهم للرئيس دونالد ترامب، اعترضت مجموعة من «الجمهوريين» من غرفتي الكونجرس على الفرز الوزاري شبه الاحتفالي لأصوات المجمع الانتخابي، في ما يشبه تناغماً مع تصرف مؤيدي ترامب من الغوغاء الذين اقتحموا مبنى الكابتول في مشهد عنيف لم يتوقع معظم الأميركيين أبداً رؤيته في بلادهم.
إنه الانهيار الذي حدث جزئياً بسبب الولاء الأعمى لترامب، وجزئياً بسبب الولاء الأعمى للحزب الجمهوري، بدلا من الالتزام بالمبدأ، ولأن الولاء لترامب بات خلال السنوات القليلة الماضية، الاختبار الحاسم الوحيد للحزب الجمهوري!
لقد حذَّرَنا جورج واشنطن من أن هذا قد يحدث. وقد أراد أول رئيس لأمتنا توحيد الأميركيين، وكان يعتقد أن الفصائل والأحزاب السياسية تتعارض مع هذا الهدف. لم يكن الدستور، والذي كان أول موقِّع له، يتطلب تشكيل الأحزاب، بل كان يشير إلى أن العمل مع المنافسين السياسيين هو جزء من صفقة الديمقراطية الأميركية: حتى عام 1804 كان الناخبون هم مَن يعينون نائب الرئيس. حتى لو كان المرشح الثاني يعارض كل سياسة من سياسات الفائز، إلا أنه كان تلقائياً في المرتبة الأولى في سلسلة الخلافة الرئاسية. كان هذا يعني أن الرئيس جورج واشنطن كان عالقاً مع نائب الرئيس جون آدامز الذي بدا أنه يعتقد أن أول أمر له في العمل كان تحديد الإجراءات الشكلية، مجادلا بأنه ينبغي منح أعلى مسؤول تنفيذي في البلاد لقب «صاحب السمو، رئيس الولايات المتحدة الأميركية، وحامي حقوقها». لكن واشنطن، الذي خلّص البلاد من الحكم الملكي البريطاني، لم يكن يريد مثل هذا التكريم.
وعندما ترك منصبه طواعية بعد فترتين، نشر خطاب الوداع الذي ركز بشكل مباشر على ما رآه مخاطر التفرق (أو الأحزاب السياسية) لدرجة أن الخطاب يبدو وكأنه تحذير مسبق من أحداث الشغب في الكابيتول يوم الأربعاء التي عطلت بعنفها الديمقراطية. وحذر واشنطن من أنه في حين أن للأحزاب فوائدها، فإن الروح التي تحركها هي «نار لا تطفأ، لذا فهي تتطلب يقظة موحدة لمنع اندلاعها». وأوضح بشكل لا لبس فيه، أن «الهيمنة البديلة لفصيل على آخر، والتي تشحذها روح الانتقام، هي أمر طبيعي للانشقاق الحزبي، الذي ارتكب في مختلف العصور والبلدان أفظع الفظائع، وهو نفسه استبداد مخيف. لكن هذا يؤدي إلى استبداد رسمي ودائم بشكل أكبر. فالاضطرابات والمآسي التي تنجم تدريجياً تجعل عقول البشر تميل إلى البحث عن الأمان والراحة في السلطة المطلقة للفرد، الذي يصبح عاجلا أم آجلا رئيساً للفصيل السائد، الأكثر قدرةً أو حظاً من منافسيه، ويحول هذا الميل إلى أغراض ترقيته على أنقاض الحرية العامة».
وفي الأسابيع التي أعقبت الانتخابات، بعد أن خسر ترامب، قام العشرات من الجمهوريين في الكونجرس بتدليله أو تشجيعه فيما كان يتحدى نتيجة الانتخابات بلا أساس، منتهكاً اليمين الدستورية. ستتغير السيطرة في مجلس الشيوخ بعد خسارة اثنين من الجمهوريين الحاليين أمام اثنين من الديمقراطيين لم يسبق لهما تولي منصب انتخابي. لقد كان ترامب يحظى بتأييد أتباعه قبل وقت طويل من خطاب الأربعاء الذي قال فيه: «سنذهب إلى مبنى الكابتول، وسنشجع أعضاء مجلس الشيوخ الشجعان، وأعضاء الكونجرس والنساء. عليكم إظهار القوة»، في تشجيع لفرض نتيجته المفضلة على نتيجة انتخابات 2020 المقررة بالفعل.
كان الخوف من احتمال التفريق هو السبب وراء قبول الرئيس واشنطن لضغوط مؤسسين آخرين أرادوا منه أن يصبح رئيساً في المقام الأول. وكتب «ألكسندر هاملتون»: «ربما يعتمد نجاح الحكومة الجديدة في تشكيلها بشكل بارز على رئاسة واشنطن». وبمجرد أن أصبح رئيساً، دعا واشنطن فريق الأحلام التنفيذية ليصبح وزارته. وكتب واشنطن إلى «ماركيز دي لافاييت»، قائد القوات الأميركية في عدة معارك: «أشعر بأنني مدعوم من قبل المساعدين القادرين، الذين ينسجمون معاً بشكل جيد للغاية». لكن أعضاء مجلس الوزراء، بمن فيهم هاميلتون (الشمالي)، و«توماس جيفرسون» (الجنوبي)، لم يروا الأمر بهذه الطريقة. كتب جيفرسون: «هاملتون وأنا كنا نتصارع في مجلس الوزراء يومياً مثل الديوك». لم يكن واشنطن حَكَماً محايداً، حيث انحاز في كثير من الأحيان إلى جانب هاميلتون الذي كان يؤمن بحكومة مركزية قوية. وسرعان ما تم تقسيم البلاد رسمياً إلى أحزاب، وكان الجمهوريون والديمقراطيون ينتقدون عادة سياسات واشنطن، بينما كان الفدراليون يدافعون عنه في الغالب.
إذا لم يعد بإمكانه أن يكون رمزاً للوحدة، فربما يعود واشنطن إلى التقاعد. في 19 سبتمبر 1796، نشرت صحيفة «أميركان ديلي أدفرتر» خطاب الوداع، وفيه أعلن أنه لن يسعى إلى فترة ولاية ثالثة -من أجله ولصالح البلاد- ليقول ضمناً إن الرئيس لا ينبغي أن يخدم حتى أنفاسه الأخيرة. لقد فعل ذلك، وعند خروجه قدّم تحذيراً: كانت الثورة الأميركية ناجحة إلى حد كبير لأن الأميركيين، باستثناء الموالين للتاج، وضعوا الدولة في المقام الأول. كان يخشى من أنه إذا ظل الناخبون مخلصين لحزب ما، فإن الحزب سيصبح فاسداً، ويركز فقط على الحفاظ على السلطة.
هذا ما حدث على ما يبدو. انتخب الشعب جو بايدن في انتخابات حرة ونزيهة. لكن ترامب وداعميه الجمهوريين في الكونجرس تمكنوا من إقناع ما يكفي من ناخبيهم بأن حزبهم والرئيس -وليس البلد أو الدستور- هما ما يهم.
أليكسيس كو*
*مؤلفة السيرة الذاتية لجورج واشنطن
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»