في الاقتصاد المعاصر الذي نشهد تحولاته الكبرى الآن، تعتمد الثروات فيه على أصول مختلفة تماماً عن أصوله المادية، التي اعتدناها سابقاً كالذهب. فالقيمة الحقيقية للموارد مهما تكن -ليست بالضرورة مادية- تكمن في كيفية تأثيرها على تصورات الناس والمؤسسات المالية، مما يجعل من إدارة النظام المالي مجرد لعبة نفسية تزرع الثقة في الأسواق. وفي محاولتي لفهم هذا الأمر وجدواه، تذكرت أحد أشهر مسلسلات الجريمة المنظمة عُرض منذ أعوام، كان فيه البطل البروفيسور «سرجيو» يفاوض (تاميو) عقيد الشرطة المفوض من كل مؤسسات الدولة الإسبانية، والمكلّف بتحرير الرهائن وحماية ذهب المصرف المركزي الإسباني الذي فيه الاحتياطي الوطني، وفي عرضه أخبره بأن الذهب المسروق لن يعود، وأجبره على خطة إن رفضها سيتسبب في انهيار مستقبل الاقتصاد الإسباني، الذي تضرر بالفعل، خصوصاً بعد أن خسرت البورصة وأصبحت في أدنى مستوياتها على الإطلاق، مما اضطر الدولة إلى إغلاق السوق خوفاً من ارتفاع الديون وإعلان الإفلاس!
وأمام كل هذه الضغوط -التي خطّط لها البروفيسور سابقاً- يقدم الحل الأمثل لضمان حريته وحرية أفراد عصابته مقابل نجاح مهمة المفوض تاميو المكلّف بها، وهي إنقاذ الاقتصاد، يكمن الحل بخروج «تاميو» في مؤتمر صحفي يعلن فيه نجاح الشرطة في الحصول على الذهب وإرجاعه إلى المصرف، وبذلك تعود الثقة إلى الاقتصاد الإسباني بعودة احتياطي الذهب إلى حوزة الحكومة. ولتأكيد ذلك، وأمام كاميرات صحافة العالم، تدخل الشاحنات المصفحة حاملة سبائك الذهب وبمجرد وصولها تعود السوق لطبيعتها المستقرة فوراً، على الرغم أن ما عاد ليس ذهباً.
في مشهد عالمي يعطي فيه البروفيسور سيرجيو درساً حول الاقتصاد العالمي الجديد الذي نشهده حالياً، مع العلم أن المسلسل أنتج بين عامي 2017 و2021، عندما يوضح مبرراته لفعلته فيقول: «إن الذهب الاحتياطي لأي دولة ليس ثروته، وإنما هو سراب، فلا توجد أي معاملة واحدة تجري به، إنما هو فقط دعم نفسي»! وما حدث أن الشاحنات المعبأة بالسبائك المزيفة كانت كافية لإعادة الثقة بالاقتصاد الإسباني، فهذا كل ما يحتاج إليه السوق، وسيبقى سر دولة لن يعرفه أحد.
لقد منح سيرجو العقيد تاميو ودولته مخرجاً مشرفاً -من وجهة نظره كلص- فبسبب هذا (الاختلاف المعدني الضئيل) سيحصل هو على الذهب وعلى حرية أفراد عصابته، ويحصل العقيد على مخرج يليق به من هذه الورطة، التي كانت ستسقط لا محالة. وهنا يبرر اللصوص فكرة في غاية الأهمية والخبث تقول، إن أي بلد يمكن أن تكون ثروته احتياطياً من النحاس.. ويظل واحداً من أهم اقتصاديات العالم. ويا لها من فكرة مريبة.. فهل يا ترى هذه هي الحقيقة أم أن الأمر مجرد دراما؟