كم هي مثيرة أحاديث الصباح والمساء! قد تستهل حديثك بأجمل العبارات المتعارف عليها، أصبحنا وأصبح الملك لله، أو صباح الخير، أو صباح النور والفل والورد، لا أحد يستقبل الصباح إلا بهذه العبارات الجميلة، ثم يدخل المساء وقد تكرر نفس العبارات اللطيفة أو تزيد وتبدع عندما تكون التحية خاصة جداً.  
 (حديث الصباح والمساء) عنوان جميل ومثير، عندما شاهدت ذلك الكتاب أو الرواية البديعة، حتى في غلافها الذي رسم على شكل امرأة في غاية الجدية والجمال الريفي المصري، وبجوارها رجل ريفي بجلبابه التقليدي، واضعاً على رأسه طربوشاً أحمر وبشنب غليظ أسود كالفحم يوحي بالعزة والقوة، ثم كتابة العنوان (حديث الصباح والمساء) بخط جميل وناصع البياض دون تحديد المحتوى ونوع العمل الأدبي، ولكن ظهور اسم مبدع على هذا الكتاب يعطيك الجواب. (الكاتب الكبير نجيب محفوظ) اسم كافٍ لتعرف أهمية ما سوف تقرأ، في الداخل كتب وبخط صغير، التالي (رواية نشرت للمرة الأولى عام 1987). إذاً ما هو حديث الصباح والمساء، وما الذي يقصده هذا الكاتب الكبير؟ لقد كانت رحلة طويلة وأحاديث كثيرة عن التغير الاجتماعي والثقافي في مصر، وتركيبة الأسرة المصرية منذ ثورة 1919 (سعد زغلول)، وحتى زمن الرئيس أنور السادات وما بعده. لم تدخل الرواية في المتغيرات السياسية والأحداث الكثيرة، سوى إشارات صغيرة لبعض التأثيرات على الأفراد وعناصر الأسرة، ولكن كل الحديث يدور في التغير الاجتماعي، وتأثير المحيط على عناصر الأسرة وتشكيلها، وجنوح البعض نحو بعض الأحزاب المتشددة وغيرها، والتي تم لجمها في مسيرة التقدم نحو المستقبل بعزيمة البناء والتطور في مصر الجميلة.
 هذا المبدع الكبير يقدم دروساً رائعة في البناء السردي والقصصي أو الروائي، حيث عمل التبويب أو البناء الداخلي للرواية بالحروف الهجائية من الألف إلى الياء في هذه الرواية، وقدم كل الأحداث والمتغيرات الاجتماعية حسب التحول الكبير في المجتمع المصري، وبطريقة مذهلة وقدرة العارف والعالم والمتمكن من فن الرواية، بل إن الشخوص لا تظهر باسم مفرد، ولكنها ثلاثية الأسماء، وإشارات إلى صنعة أولئك الناس، وتخال أن ما ذهب إليه من معنى أو هدف من تناول تلك الشخصيات يعرفها الإنسان المصري ويدرك المغزى والمعنى والهدف من طرحها. رواية ممتعة ذكرتني برواية أخرى لهذا الكاتب الكبير أحببتها ولا تزال في ذاكرتي على الرغم من الزمن البعيد الذي قرأتها فيه، أقصد (اللص والكلاب).