بعد عامين متتاليين من العمل الدؤوب قررت أخذ إجازة أسافر فيها إلى بلاد طالما أبهرني تاريخها «إمبراطورية النمسا»، التي طارت تحت أجنحتها طيور إيطاليا والمجر وغيرها من البلاد التي أصبحت جمهوريات مستقلة فيما بعد في العصور الوسطى، تساءلت دوماً لماذا يطلق العرب اسم النمسا على أستريا؟ واسم المجر على هنغاريا؟ وبطل العجب عندما بحثت وعرفت السبب.
في النمسا زرت قصر الإمبراطورة «سيسي»، وهي إليزابيث حرم الإمبراطور فرانز جوزيف الأول، وهي من سلالة الملكة ماريا تيريزا المسكوكة صورها على الدولار الفضي الذي كان متداولاً في منطقتنا ذات فترة من الزمن، أنظر إلى تلك القصور المليئة بالأعمال الفنية ورسومات عمالقة التاريخ ومبدعي عصر التنوير ولكن كانت الغرف ضيقة والأسرة بالكاد تحتضن أجساد هاجعيها لصغر حجمها، وحللت ذلك لأن النوم كان آخر همومهم بل كان الدفء هو السبب الرئيسي لتلك التصاميم، تعجبت من التاريخ كيف يتحدث ومتى يصمت وإلى أين يؤول بصانعيه؟
أسلاف امبراطورية النمسا تنحدر منهم ملكة فرنسا ماري أنطوانيت، زوجة الملك لويس السادس عشر ووالدة الأمير لويس السابع عشر، والأميرة ماري تيريزا، يذكرها البعض عند عتبات التاريخ بمقولة خالدة تتعلق بشكوى رعايا مملكتها من الفلاحين بأن الجوع تمكن منهم وليس لديهم الخبز، فكانت ردة فعلها لا تعبر إلا عن البرود والجحود بأن قالت «دعهم يأكلون الكعك»، وبما أن الكعك أغلى من الخبز فقد تجاهلت الملكة متطلبات رعاياها مستخدمة المعايير التي تعرفها لا أكثر، حكايات وروايات حفظتها أروقة تلك القصور وكانت أول زيارة لي أعيش فيها الموسيقى والثقافة والتاريخ في آن واحد.
للعارفين أقول، أجمل ما في الحياة هي الحرية، سافروا لتتعلموا وتضيفوا كل ماهو جميل إلى حياتكم وحياة الآخرين، فبين سطور الحديث والنبش في التاريخ علم ومعرفة وإنسانية لا يفهمها الآدمي.