ما كنت يوماً قاطعاً ولا جازماً في معاملتي لمباريات كرة القدم حدساً وتوقعاً، والتي صدرت منذ الأزل تركيبة للمنطق مختلفة تماماً عن المنطق الذي أوضعته العلوم الحقة، إلا إنني لا أرى في ما قدمه ريال مدريد «ملك» دوري الأبطال، خلال مباراة أرسنال، وهو يسقط بثلاثية نظيفة أمام «المدفعجية»، ما يشجع على القطع بقدرة «الملوك» على العودة بملعبهم «سانتياغو برنابو» في مباراة الإياب، هم من علمونا فن العيش مع «الريمونتادا»، وهم من أدهشونا لمرات كثيرة بالخروج من «الأكفان»، وظن الجميع أنهم شيعوا لمثوى الإقصاء أو الخسارة.
لو كان ريال مدريد سيئاً فقط في مباراة استاد «الإمارات» أمام أرسنال، لما جازفت بالقول، إن الأمل في القفز على خسارة الذهاب ضعيف جداً، لأنه في وضعيات شبيهة بهاته، أبهرنا بعودة مجنونة، لكن «الريال» هذا الموسم متعب ومرهق ومشتت ذهنياً وتكتيكياً، ولا نكاد نرى منه غير شعاع ضعيف، سحره لا يكاد يضيء.
إلى مباراة أرسنال في ذهاب ربع نهائي دوري الأبطال، جاء ريال مدريد يجتر ذيولاً من النكبات الفنية والتخبطات التكتيكية، لم يعبر حاجز أتلتيكو مدريد في ثمن نهائي الأبطال إلا بضربات الترجيح، ولم يتجاوز نصف نهائي كأس ملك إسبانيا وهو يستضيف ريال سوسيداد، إلا بشق الأنفس، ونجح الفريق الباسكي في تعذيبه، إلى أن جره للوقت المضاف، وسقط «الميرنجي» بمعقله أمام فالنسيا، ليتأخر عن الغريم برشلونة بأربع نقاط، هو من كان يتقدم عليه ذات وقت بسبع نقاط.
ريال مدريد هذا الموسم، حتى وقد أنجز صفقة ضم كيليان مبابي، ليس سوى نسخة سيئة من أصله الجميل، ومن يتحمل مسؤولية هذا الشحوب الكبير في مظهر «الريال» والهزال الكبير لمحتواه الإبداعي، مدربه كارلو أنشيلوتي، الذي توقف خياله في لحظة مفصلية عن إنتاج حلول عملية لمشكلات تكتيكية كثيرة، خاصة على مستوى منظومة الدفاع التي ضربت في الصميم بتكالب الإصابات والأعطاب، بل إنه أسهم باختيارات خاطئة في تقيح الجروح الدفاعية، وأبداً لم تكن له الشخصية الحازمة لوقف مظاهر كثيرة لتفكك الآصرة الجماعية التي هي قوام توازن الأداء.
بالطبع، لا أنقص فيما أوردته من خطايا تكتيكية جنت على ريال مدريد هذا الموسم، من قيمة ولا من تاريخ كارلو أنشيلوتي الذي له وضعه الاعتباري في مشهد كرة القدم العالمية، وله ألقابه ونجاحاته التي تشهد على عبقريته، لكنني مؤمن أن لكل قصة نجاح بداية يبرزها الطموح والظمأ والجوع، ونهاية يدل عليها الاحتباس والتحجر والإشباع، وكارليتو ما أصبح لديه الحافز وخزان الإلهام ليستمر طويلاً مديراً فنياً لريال مدريد، وليعطينا الأمل في مشاهدة «ريمونتادا» بـ «البرنابو» الذي يظل شاهداً على عديد «الريمونتادات» في أزمنة ماضية.