لكي يكون الوعي شارعاً مفتوحاً على العالم، ولكي يكون العقل منطقة منزوعة الانغلاق، لا بد من صفحة منسوجة بحروف كلمة تدلك على نفسك، والعالم. اللغة العربية بدأت بكلمة اقرأ، بكلمة (قل).
اليوم عندما نستدعي الذاكرة، نجد في الكلام العربي اقرأ، وقل، ما يجعل العبارة مثل الشمس تسلط أشعتها على وريقات الشجر، لينمو، ويكبر، ويهدي العالم الثمر.
لغتنا ليست مجرد كلمات تسير على سطح اللسان ثم تتلاشى، ثم يصبح عالمنا الداخلي مجرد فراغ، يتبعه فراغ، بل هي، أي لغتنا العربية، بدأت لتستمر بلسم وجود، ترياق حياة، وهي الخيط الواصل بين الكلمتين اقرأ، وقل، ها نحن اليوم نتبوأ منطقة شائعة في عالم القراءة، ودبي تقود المرحلة نحو غايات، ورايات، وتمضي في الضمير العربي نحو مد ومدى، وامتداد، حبله السري معقود على أحلام قائد روّض الكلمة شعراً وطوع الخيل تألقاً، حتى أصبحت الخيل قصيدة، وصارت القصيدة خيلاً، وكلاهما في الوجود يحمل في أحشائه جمال النظرة ورونق الطلعة، ومهارة التعبير، وبراعة الفكرة، ويراع اللباقة، ومن يتأمل الخيل، ويقرأ في عيونها، يلمح مدى ما لهذا الكائن من لغة تتضمن المعنى نفسه، الذي تضمره لغتنا، ففي كلا الكائنين، تكمن جمالية المعطى، وحُسن المنظر وسبر الولوج في تلافيف الوجود.
فاللغة ليست مادة زائفة، جامدة، وإنما هي كائن حيّ، إنْ أكرمته منحك النشوء والارتقاء، وإنْ أهنته، خيّب مسعاك، ولفظ كل أمنياتك، وبقيت وحدك تصفع الفراغ، وتتكئ على محيط من الجهالة. لهذا السبب نجد للغة مكانة في قلب الشاعر، والفارس، ونجد دبي حقلاً تينع فيه زهور الحب، وتتنوع العيون كما تتضافر الثقافات في جدائل سمتها الاسترسال، والاستراحة على خد وحيد، والانهمار على متن، وجبين.
لهذا السبب تتفوق دبي على نفسها، عندما يتعلق الأمر بالأهمية في عالم يطرق أبواب التدفق بسيولة السلسبيل، وعذوبة الفرات، وصفاء المترعات برائحة التراب اللبيب.
اليوم ونحن نتابع ما يحدث من سباق في تحقيق ذروة الفوز بالتزود من معين معجم لغة سادت وتطورت، ونمت، وأينعت في عيون العشاق، وأصبحت قاموس المحيط، لأفكار، وثقافات، أصبحت المنطقة الخضراء التي تحط على عشبها طيور، من مختلف دول العالم سعياً لنيل حب لغة الضاد، ورغبة عارمة للإمساك بخصلة من حسناء الكلمات، والتغني بها بين العالمين، هذه اللغة، لغتنا، وعشقنا، والاهتمام بها هو التمعن بمضمون هويتنا، والانغماس كينونتها، والذهاب إلى العالم، ونحن نفيض بمحسنات لغتنا، ونتمتع بجوهرها، وحوارها الداخلي الذي يملأ الشكل والمضمون، ويتحلى بحُسن الصفات، والسمات.
وحديث صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، عن اللغة العربية، وضرورتها الوجودية بالنسبة لكل منتمٍ لهذا العالم العربي هو حديث بشجون، وشؤون، وفنون، ويضع لغتنا عند شغاف الغيمة، وفي قلب العالم، يجعلها بين الرمش والرمش كحل العين، وحمرة الوجنتين. فشكراً لمن يهبوننا أجمل ما يبلّل اللسان، وأكمل ما يحزم ظهر العبارة في منطقنا، ومنطقتنا الواعية، ولغتنا العربية، وفحواها، ونجواها، وفصلها، وفاصلتها.