حرب الصلب.. نظرة إلى الوراء
كانت سياسة أوروبا ذات يوم تدور حول الفحم والصلب. فقد جعلت حقول الفحم في انجلترا من بريطانيا أول قوة صناعية في العالم. وصعود ألمانيا قام على أفران الصلب في منطقة روهر. وكان رمز الاتحاد السوفييتي في عهد ستالين مدينة ماجنيتوجورسك لإنتاج الحديد والصلب. وحين اجتمع شمل الأوروبيين بعد حربين عالميتين مدمرتين اقاموا الجمعية الأوروبية للصلب والفحم وهو أساس الاتحاد الأوروبي اليوم.
لكن ذاك عهد مضى منذ أمد. فربما بُنيت مدينة ماجنيتوجورسك الروسية لتنافس وتتغلب على بيتسبيرج في ولاية بنسلفانيا الأميركية كمدينة لانتاج الصلب، لكن بيتسبيرج تغير وضعها وأصبحت الآن مركزاً للمعرفة والذكاء الاصطناعي والسيارات ذاتية التحكم. وفقد الصلب والفحم منذ فترة طويلة نفوذهما على مجريات الجغرافيا السياسية في أوروبا. لكن خلال الشهر الجاري، كتب الرئيس الأميركي دونالد ترامب تغريدة على تويتر قال فيها «إذا لم يكن لديك صلب فليس لديك دولة». ويبدو هذا رائعاً، لكن يجب عليه أن يعرض هذه العبارة على صديقه بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي. فإسرائيل ليس لديها أي مصانع لإنتاج الصلب لكنها بالتأكيد ركزت في الأساس على تطوير تكنولوجيات المستقبل وليس الماضي.
والحقيقة هي أن العالم يغادر العصر الصناعي ويدخل عصراً رقمياً يضاهي العصر الصناعي أهمية. فمصانع الصلب ومناجم الفحم لن تشكل مستقبلنا، بل إن جهود فرض السيطرة على التكنولوجيات الرقمية ستمثل السباق العالمي الجديد، وهو السباق الذي لا يستطيع الغرب ببساطة تحمل كلفة الخسارة فيه. والصين ستستجيب لمطالب تقليص القدرة الزائدة في إنتاج الصلب لأن هذا سيفيد الصينيين أيضاً بسبب الكلفة الكبيرة لإنتاج كميات زائدة من الصلب. لكن من المشكوك فيه إلى حد كبير مدى استعداد الصين للاتفاق على قواعد نظام رقمي عالمي جديد وهذا أهم بكثير.
ويوم الثلاثاء الماضي، ذهبت سيسليا مالمستروم مفوضة التجارة في الاتحاد الأوروبي إلى واشنطن لتبحث إمكانية تفادي الخلاف التجاري على جانب الأطلسي بشأن الصلب. وسيجتمع رؤساء الدول الأوروبية مساء الخميس مع الحكومات الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في بروكسل، ويتوقع أن تكون الرسوم على الصلب مدرجة على القائمة في اجتماع عشاء. وكان من الأفضل أن يجتمع جانبا الأطلسي لمناقشة تشكيل النظام العالمي الرقمي المقبل وأن تعمل الولايات المتحدة وأوروبا على قضايا مثل السيطرة على التكنولوجيا وقواعد تبادل البيانات والتدفق الحر للبيانات وحقوق الملكية الفكرية.
وهناك اختلافات في السياسة في بعض القضايا بين أميركا وأوروبا وتحديداً فيما يتعلق بالخصوصية لكن الجانبين يشتركان كثيرا في المصالح والقيم. لكن بدلاً من محاولة السيطرة على المستقبل بالاتفاق على القضايا الرقمية هناك احتمال أن يقع الحلفاء في صراعات بشأن الصلب الذي لا يمثل أهمية تقريباً للنظام الاقتصادي في المستقبل. وهذا غير حكيم ومأساوي. والصين هي الفائز الوحيد في كل هذا. وكلما انقسم الغرب على نفسه في قضايا الماضي كلما اكتسبت الصين قدرة على تصدر زعامة قضايا المستقبل.
كارل بيلت*
*رئيس الوزراء السويدي السابق.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»