ميناء جوادر.. صراع دولي على النفوذ
يتساءل العديد من المتابعين لحروب الموانئ في العالم عن تأثير ميناء جوادر في باكستان على الاقتصاد والسياسة عالمياً في محاولة لنقل البضائع بشكل أسرع وبتكلفة أقل إلى بعض البلدان الأكثر سكاناً في العالم وعلى الرغم من أن جوادر تقع في باكستان، فإن الموقع الجيوستراتيجي يجعل الميناء مكاناً مهماً لدول العالم أجمع، وخاصة بعد أن دخلت الصين في قلب الحدث بقوة كشريك تنفيذي وممول رئيسي للمشروع، وعلى المدى الطويل شراكة عسكرية، ستغير موازين القوى، وتجعل الحضور الصيني العسكري في المنطقة له ثقل أكبر، ويعظم دور الصين في التجارة العالمية، ودبلوماسية الطاقة والعلاقات السياسية ويكون الضرر محصوراً بموانئ معينة في المنطقة، وجعل المشتريات الصينية من الطاقة فرصة سانحة لبعض الدول لتنويع أسواقها، وتقليل اعتمادها على الولايات المتحدة، وحماية أرباحها من خلال الاستثمار في قطاع مصافي النفط في الصين، حيث إن المسافة بين ميناء «جوادر» وميناء مسقط في سلطنة عُمان نحو 385 كيلومتراً، وذلك له علاقة وثقيه بصادرات الغاز عبر مضيق هرمز، وارتباط ذلك بميناء «جوادر» وتفكير الدول المصدرة على نحو أكثر جدية الآن لإنشاء محطات نفط وغاز في الخارج، ولذلك تساهم قطر في تمويل تطوير ميناء «جوادر» لتوجيه ضربه لموانئ جيرانها، وفي الوقت نفسه توفير الغاز الذي تحتاجه الصين من أجل نموها المتسارع، والذي بدروه سيؤدي بالتأكيد إلى إعادة هيكلة بعض الدول الخليجية لأولوياتها السياسية والتجارية، ولا سيما أن المخطط الصيني- الباكستاني- القطري- الروسي، يهدف لجعل باكستان بوابة التجارة إلى الصين، والوقت الذي سيتم توفيره سيعطي الشركات الخليجية والصينية ميزة تنافسية نسبية على غيرها من الشركات العالمية.
فالموانئ الخليجية الكبرى التي تمثل ثقلاً اقتصادياً كبيراً لبعض المدن الخليجية ستبقى في اعتقادي لعقود عديدة مزدهرة نظرا للسلامة، والبنية التحتية للنقل، والبنية التحتية الاجتماعية والثقافية ونمط الحياة الراقي دون أن ننسى أن الاستثمارات الأجنبية، وجذب الشركات الأجنبية والسياحة والتجارية قد يتوجه نحو باكستان في حالة تحقيق معجزة اقتصادية بقوة دفع ثلاثية تشكلها الصين وروسيا وقطر، والسعي الجاد للتطوير السريع للمنطقة الحرة والمناطق الصناعية في تلك الميناء، ولربما تطورت تلك المنطقة لتفرض تأثيراً اقتصادياً قوياً يهدد التأثير الاستراتيجي للمناطق التقليدية للتجارة في الخليج العربي.
نعم هناك حرب اقتصادية صامتة، ومحاولة أن تصبح «جوادر» البوابة الرئيسية البحرية لآسيا الوسطى ولا سيما بعد عزم الصين على استثمار 4.5 مليار دولار على الطرق والطاقة والفنادق وغيرها من البنية التحتية للمنطقة الصناعية في «جوادر».
وبالإضافة إلى ذلك، فإنه ببناء مطار دولي وتدشين محطة توليد الكهرباء تقوم الصين وباكستان وقطر بصياغة جدول الأعمال الاقتصادي للمنطقة على أساس الاقتصاد الجيولوجي لميناء «جوادر»، في حين إن الهند وأميركا وأصدقاءهم في دول الخليج يعارضان بشدة هذا الاحتمال، ناهيك عن تضارب المصالح الاقتصادية لدول مجلس التعاون، كأن تستثمر بعض الدول استثمارات سياحية كبيره لجذب السياحة وبناء منتجعات سياحية فاخرة، ولهذا هناك خاسر ورابح في هذه التنافسية الشرسة لتنويع اقتصاد دول المنطقة.
ومن جهة أخرى، يعتبر ميناء «جوادر» مشروعاً رئيسياً في مبادرة «حزام واحد، طريق واحد» الصيني لبناء علاقات اقتصادية قوية بين الصين والبلدان الواقعة على طول طريق الحرير القديم، وسيتبع ذلك حتماً وجود بحري صيني في «جوادر» ليقوم بدوريات في الممرات البحرية بالمحيط الهندي وقلق واشنطن ونيودلهي من الوجود البحري الصيني بالقرب من مضيق هرمز، لتعبر التجارة الصينية برًا لباكستان من خلال الطرق التي تم إنشاؤها حتى تصل إلى «جوادر»، ومن هناك يتم نقل البضائع إلى دول الخليج والشرق الأوسط. ويُعد موقع الميناء ذا أهمية استراتيجية أخرى لوقوعه بين جنوب ووسط آسيا والشرق الأوسط. وسيعزز مشروع تطوير ميناء «جوادر» التعاون الوثيق بين الهند ودول الخليج العربي لتخوف نيودلهي من مرور المشروع الصيني الطموح في إقليم كشمير المتنازع عليه مع باكستان، وهو ما يعني أن الإقليم سيخضع للحماية الصينية بعد أن أصبح ممرًا لبضائعه، وعليه قامت الهند بالتعاون مع أصدقائها في الخليج العربي بتعجيل تطوير ميناء «تشابهار»، الذي يبتعد 165 كيلو مترًا عن «جوادر» ليتحول الصراع بين باكستان والهند إلى نقطة نجاح للأولى، كما يعد امتداداً إضافياً للنفوذ الروسي في آسيا الوسطى لتتقدم هي الأخرى على غريمتها الأميركية، ونظراً للمصالح الباكستانية المتشابكة قد يبدو الرهان على باكستان عربياً رهاناً خاسراً على المدى الطويل.