الكويت التي عرفناها
عرفت الكويتُ أميرَها صاحبَ السمو الشيخ صباح الأحمد في فترة فاصلة من تاريخها، فكان دائماً يحمل همّ الكويت، وكانت فترة الغزو مرحلة حاسمة استطاع خلالها قيادة الكويت إلى بر الأمان لما له من خبرة في السياسة الخارجية. وقد عوَّدنا الشيخ صباح الأحمد على المصارحة التي تشجعنا دائماً على مصارحته طالما كنا نحمل الهم المشترك نفسه.
واليوم تعيش الكويت مرحلة خاصة في ظل المتغيرات الدولية، مرحلة تتطلب رؤية فاعلة وثاقبة في كيفية وضع تصورات تجنب البلاد أي متاهات سياسية. فالموقف الكويتي من الخلاف الخليجي جاء وفق قناعات السياسة الكويتية حول كيفية التعامل مع الأزمات. ولعل الديمقراطية الكويتية لم تعد خياراً يمكن الاستغناء عنه، فهي ما يمنح الكويت قوة وتميزاً في ظل صراعات يختلط فيها كل شيء. واليوم فإن الخليج يتعرض لمستجدات جديدة تتطلب رؤية عملية. والكويت عبر التاريخ كانت دائماً تنتهج سياسة التوازن والتعايش مع المتناقضات، لكن الأوضاع الحالية وصلت إلى مرحلة حرجة تضيق فيها الخيارات.
وقد رأت الحكمة الكويتية أولوية التعامل مع كافة القوى الاجتماعية والسياسية عبر دبلوماسية الاحتواء طالما أن الرؤية واضحة. ومعلوم في هذا الخصوص أن هناك كثيرين اختاروا سياسة المواجهة، أما الكويت فارتأت أن تنتهج سياسة الاحتواء والتوازن، وهي سياسة ربما بحاجة إلى إعادة تقييم في هذه المرحلة.
شخصياً أعتقد بأهمية المحاصرة الأمنية، بقدر ما نحن بحاجة إلى رؤية جديدة تحفظ الاستقرار. فالأوضاع تخضع لتغيرات سريعة، سواء على صعيد التحالفات أو فيما يخص طبيعة المصالح ونوعها، لذلك فإن سياسة مجلس التعاون الخليجي لم تعد قادرة على مواجهة كثير من المتغيرات الراهنة، ولا نريد للكويت أن تندفع نحو تحالفات تفرضها المراحل الحرجة.
أعتقد أن أهم ما يميز الكويت الحديثة هو تاريخها الديمقراطي كنموذج فاعل في حل الصراعات، وهذا ما جعل الولايات المتحدة تقف مع دولة تؤمن بالديمقراطية حين تعرضت للغزو، لذلك جاء مؤتمر جدة ليؤكد التلاحم بين الشعب الكويتي وقيادته الشرعية.
كان كثيرون يتوقعون أن تنتهج الكويت سياسة جديدة في تطوير الآليات الديمقراطية، إلا أن ظروفاً دفعت الكويت نحو خيارات ربما لم تكن ترغب فيها أصلاً. الجميع في الكويت يدرك أن لا غنى عن المسار الديمقراطي، لذلك فقد راقبوا بقلق بعض المحاولات الرامية لتغيير ذلك المسار نحو تطويعه لما يخدم المتنفذين إلى درجة لافتة للانتباه وأحياناً منذرة بالخطر، حيث إن بعض المتنفذين اعتراهم شعور بالسيطرة على القرار الداخلي، وخصوصاً السلطة التنفيذية، مما هدد التوازن الذي يعد واحداً من ضمانات النظام الديمقراطي.
الوضع الكويتي قد لا يخلو من بعض حالات من الانفلات وتداخل الأوراق، وهو بحاجة إلى وقفة فاعلة لإعادة التوازن إلى العلاقة بين السلطات. ولعل دخول الشيخ ناصر صباح الأحمد يبث الأمل في معالجة الثغرات التي أصبحت مؤثرة في مستقبل المسار الكويتي. صاحب القرار يدرك الخلل الحكومي، ومن ثم ضرورة مواجهة الاختلال، وهو ما نعتبره مطلباً ملحاً في ظل المتغيرات السريعة.
والمعول في هذه الحالة إنما هو على الحكمة التي تستوجبها الظروف المرحلية، وما نتمناه هو أن نعمل جميعاً على إيجاد مبادرة شجاعة من أجل إعادة التوازن المفقود. وربما يتعين على مجلس الأمة اتخاذ مواقف وقرارات عقلانية.