الغرب والعنف والمسؤولية الأخلاقية
الاعتقاد السائد في مرحلة تاريخية أن العنف إذا انحصر في حدوده، فهو لا يشكل أي تهديد للغرب، بينما الواقع الجديد تحول فيه العنف إلى تهديد عابر للقارات، وتحولت المسؤولية إلى المستوى الدولي بعد أن تمكن العنف من تكوين خلاياه وشكّل تهديداً جديداً في كثير من المجتمعات الغربية، مما يستدعي قراءة جديدة لا تضع المصالح ضمن أولوياتها بقدر ما تقرأ المصالح ضمن رؤية جديدة تفرضها المسؤولية الأخلاقية التي نرى بعودتها حماية للغرب وللعالم، ولا بد للغرب أن يتحرر من مركزيته وهيمنته الثقافية والإصرار على فرض نماذجه الخاصة باعتبارها هي الأصح متجاهلاً الإرث الثقافي للأمم الأخرى. والوهم هو الاعتقاد أن حروب العنف تبقى محصورة بحدود جغرافية، فالأحداث التي شهدتها بعض من المجتمعات الغربية متوقع أن تتضاعف، خصوصاً بعد انهيار الدولة «الداعشية»، مما يستدعي إعادة تقييم المبادئ الأخلاقية للعولمة التي يحكمها الغرب.
هناك إدراك لسياسة جغرافية جديدة يعمل الغرب على ضبط إيقاعها على قاعدة المصالح التي تشكلت في الحقبة الاستعمارية، وما زالت حاكمة لكثير من السياسات الغربية، وتبنت مبادئ أخلاقية كقضايا حقوق الإنسان باعتبارها أدوات ضبط ضاغطة تستخدم في الأوقات التي تفرضها المصالح، ومن الواضح أن ما سمي بـ«الربيع العربي» كان إنذاراً يعبر عن حالة سخط ورفض لنمط الاستبداد وسلب الحريات العامة التي انتهجها بعض من حلفاء الغرب. وربما المساومة في ضبط الإيقاع لمطالب التغير حتّم على الغرب وخصوصاً الولايات المتحدة الدخول في تحالفات جديدة، وكان على رأسها حركات الإسلام السياسي، وتحديداً حركة «الإخوان»، التي وجدوا فيها تسوية تحافظ على نهج المصالح الغربية. وربما البراجماتية الغربية تحجب الرؤية البعيدة في كيفية التعايش مع التنوع الثقافي وقبول التعايش ضمن أطر أخلاقية تحافظ على قاعدة التنوع باعتباره حقيقة واقعة تمثل إرثاً تاريخياً لشعوب تعتز بهويتها.
العنف أو الإرهاب الذي قدمته لنا «الداعشية» هو شكل جديد في منطقة عن الحروب المعتادة، إنه ما نسميه قتل الذات والآخر.. إنه قتل انتقائي أحياناً يرتبط بالهوية، ويخرج عن الانتقائية ليتحول إلى قتل جنوني مرضي يختلط فيه كل الأطياف، كما أشار إليه محسن عزيزي في كتابة «الثقافة والإرهاب». إذن العنف الجديد لن يتوقف، بل هناك توقعات بمزيد من موجاته التي تستهدف الغرب باعتباره العدو و«الشيطان الأكبر»، فالحرب على الإرهاب مستمرة، ولن تنتهي بنهاية «داعش» في العراق وسوريا، فهي حرب تتطلب أدوات فهم جديدة لمكونات النشأة الثقافية والاختلال في موازين القوى الاجتماعية في الدول الباعثة للعنف. وببساطة علينا أن نفهم المفارقات الثقافية في فهمنا للإرهاب، فهناك عشق للموت تتبناه المجموعات الإرهابية ويقابله حب الحياة كمفهوم ثقافي يتبناه الغرب والمجتمعات المتوازنة اجتماعياً.. ونقصد هنا التوتر المجتمعي أياً كانت بواعثه.
فالأزمة التي يواجهها العالم أننا أمام ثقافة تنتج الإرهاب، وتتجاهل معالجة الخلل الذي أنتج لنا الإرهاب أو العنف، وهذا في حد ذاته أشبه بالسير في الطريق الخطأ. فالقدرة على التجدد والتوالد للحركات العنيفة أضحت واضحة، ومن ثم العمل على رؤية أخلاقية جديدة تضمن استمرار تبادل المصالح دون الإضرار بطرف من الأطراف. وضمن قراءتنا لخريطة الحرب في سوريا أو في أفريقيا تجعلنا نقترب من النتيجة التي تؤكد أننا نسير دون هدف وربما عبثية تؤجج العنف العابر للقارات الذي أضحى هدفه الغرب بالدرجة الأولى.