قلق كويتي
عرفت الكويت في مرحلة تاريخية بجوهرة الخليج لما حققته من تقدم على مختلف المستويات، لكن بعد ذلك حدثت حالة من القلق العام إثر غزوها من قبل نظام صدام حسين. وقد توقع كثيرون أن توفر تجربة الغزو فرصة لمراجعة كثير من السياسات العامة، والبدء برؤية جديدة، لاسيما أن الشرعية الكويتية المتمثلة في أسرة الحكم تشكل أحد أهم محاور الاستقرار السياسي. وكان بالإمكان معالجة أخطاء الماضي والمضي نحو واقعية جديدة تضع الكويت في الصفوف المتقدمة، إلا أن حالة القلق العامة أعادت الكويت إلى أوضاع أكثر تراجعاً بالقياس إلى شقيقاتها في دول مجلس التعاوني الخليجي. والسؤال الآن هو: أين مكمن الخلل؟
الحكومة تلقي باللوم على «الديمقراطية» وعلى مجلس الأمة باعتبار أنه العثرة في الطريق نحو اتخاذ القرار الصائب لتحقيق التنمية، بينما الحقيقة هي أن الأخطاء مشتركة، فالسلطة التنفيذية عاجزة عن وضع تصوراتها المستقبلية، والسلطة التشريعية تحول همها نحو إرضاء القاعدة الشعبية بصرف النظر عن طبيعة الأوضاع العامة التي تتطلب سياسات جديدة تعبر عن حالة المرحلة والظروف الموضوعية سواء المحلية أو الإقليمية أو حتى العالمية.
وبكل تأكيد، هناك سوابق تاريخية تعبر عن عدم التوافق على الديمقراطية كنهج سياسي، ومنها محاولات تطويع الديمقراطية لتعبر عن رغبة السيطرة على فضاء الديمقراطية ذاته، لاسيما أن سمة الديمقراطية الكويتية شكلت ركيزة مهمة للنظام العام يجد فيها ضرورة لتقديم نفسه للعالم، إلا أن تطويرها عبر توافق عام لم يكن ضمن أولوياته، ومن ثم حصدنا تجربة مشوهة للديمقراطية جعلت البعض يشعر بالقلق العام من تفشي الفساد وتجاوز القانون وتنامي تحالفات مصلحية عطلت مسيرة التطور. وبكل تأكيد فإن مراجعة المسيرة وتقييمها أصبحت ضرورية للكويت ولنظامها ومواطنيها، وإلا فإن الكويت سوف تدخل بمتاهات لا يمكن حصرها إذا ما استمر التخبط.
والقلق الذي خيم على سماء الكويت جاء نتيجة لممارسات عامة سواء من السلطة التنفيذية التي لم تحسم خياراتها، أو من السلطة التشريعية التي أنتجت لنا نواباً فئويين تنحصر همومهم في الترضيات الشعبية.. فتحول الهم العام، والحال هذه، نحو تفريغ الديمقراطية من محتواها وبتعاون وتوافق بين السلطتين!
وفي ظل تعقد الظروف الإقليمية والعالمية، يتضاعف القلق الكويتي ويثير تساؤلات حول ما ينتظر الكويت نتيجة لغياب الرؤية ولارتفاع حدة الصراع بين الأقطاب السياسية، خاصة مع تمكن قوى الإسلام السياسي وخصوصاً جماعة «الإخوان المسلمين» التي وجدت في الفوضى العامة السبيل لتحقيق مكاسب خاصة بها كحركة سياسية تواجه حصاراً إقليمياً ودولياً. ومما يزيد تعقد وقلق الحالة الكويتية تحالفاتها غير المدروسة، وسياسة حسن النوايا حيال حركات الإسلام السياسي التي وجدت في الديمقراطية الكويتية مجالا للسيطرة على مفاصل الدولة. وربما من المفيد أن نسترجع التاريخ القريب للحركات الإسلامية التي في حالة وصولها للسلطة تتحول إلى سلطة قمعية غير عابئة في الثقافة الديمقراطية وما تفرضه من تعايش للتعدية الفكرية.
وواضح أن المشكلة الكويتية تتجسد في صراع مصالح داخل السلطة، أحد أطرافه لا يريد أن يكون لدينا نظام ديمقراطي، والآخر يدعو لتطويعها عبر سياسة اللعب بالمكونات الاجتماعية. وأخطر ما تمر به الكويت هو أن نظامها لم يحسم خيار الديمقراطية باعتبارها الإرث التاريخي الذي يميز المجتمع الكويتي. فحالة القلق التي تخيم على سماء الكويت بحاجة إلى قرارات حاسمة، وقيادات سياسية قادرة على التعامل مع المستجدات. ولعل دخول الشيخ ناصر صباح الأحمد في الحكومة الجديدة يشكل منعطفاً في مواجهة التحديات.