كان الأمر يبدو أشبه بالمستحيل، ولكن توني بلير فعلها مرة أخرى. لقد جعل نفسه أقل شعبية في بريطانيا. يحدث هذا في الذكرى العشرين لوفاة الأميرة ديانا، في وقت يفترض فيه أن يكون الجميع ممتنا ًله لمساهمته في إنقاذ الملكية عبر إرغام العائلة المالكة على التخلي عن نفورها من أسلوب ديانا العصري غير المألوف، والخروج من قوقعتها، وإبداء احترام أكبر لـ«أميرة الشعب»، مثلما سماها بلير على نحو عبقري. وبلير، البالغ 64 عاماً، بات اليوم ذا شعر أشيب، ولكن عينيه زرقاوين لامعتين ويبدو أنيقاً ببدلته الزرقاء الداكنة بدون ربطة عنق. والبلد الذي عمل ذات يوم من أجل توحيده منقسمٌ على نفسه بسبب «البريكسيت»، وهو يجد نفسه الآن -بعد عقد على نهاية فترة توليه رئاسة الوزراء- لاعباً رئيسياً في محاولة إلغاء ما فعله الناخبون العام الماضي. ولكن نايجل فاراج، الذي تزعم حملة «البريكسيت»، يحمِّل بلير جزئياً مسؤولية فتح الحدود من أجل «تمريغ أنوفنا في التنوع». والرجلان، اللذان يعمل أحدهما في لندن والآخر في بروكسل، ليسا وجهين جديدين في بريطانيا، ولكنهما يتواجهان كغريمين، مثل شارلوك هولمز والبروفيسور موريارتي وهما يتصارعان على حافة منحدر صخري، بسبب الخلاف حول الاتجاه الذي ينبغي أن تسير فيه البلاد. والراهن أن بلير عاد إلى الواجهة من جديد كمناصر لإسقاط «البريكسيت». وقد سألتُه عما إن كانت جهوده الرامية للعدول عن «البريكسيت» هي من أجل التكفير عن دوره في حرب العراق -على رغم أنه يقول إنه عندما ينظر إلى سوريا، ما زال يعتقد أنه كان على صواب في الذهاب إلى العراق. فأجاب قائلًا: «إن جوابي هو كلاّ». والواقع أن بعض البريطانيين يذهبون إلى حد تحميل بلير المسؤولية عن «البريكسيت»، مجادلين بأن التطهر العاطفي الذي شجّع عليه في البلاد المعروفة بقوة شكيمتها بعد وفاة ديانا، أطلق العنان لخزان من المشاعر الانفعالية. وخلال عطلة نهاية الأسبوع التي تحدثتُ فيها مع بلير، أخبرني بأنه سينشر قريباً تقريراً حول كيفية التعاطي مع مشكلة الهجرة، التي يقول إنها «عذّبت» التقدميين لأنهم يكرهون مظاهر العنصرية، وأحياناً العنصرية الصريحة المرافقة لمشاعر معاداة المهاجرين. وقد مثل تقريره تحولاً جذرياً. فهو الآن يعتقد أن «البريكسيت» لا يمكن إلغاؤه «إلا إذا كانت لدينا سياسة هجرة تضع في عين الاعتبار حقيقة أن لدى الناس قلقاً حقيقياً بشأن الضغط على الخدمات والأجور الذي يمكن أن ينجم عن تراكم كبير للعمالة المهاجرة، وكذلك مخاوف حول ما إن كان ثمة هوة ثقافية بسبب المهاجرين، ولاسيما إن كانوا ينحدرون من أغلبية من البلدان المسلمة». ويقول: أعتقدُ أن الطريقة الوحيدة لتجاوز مشكلة البريكسيت تكمن في القول: لقد أنصتنا وأصغينا، وسنعالج هذه المشكلات، ولكننا سنتصرف بطريقة عقلانية ومنسجمة مع قيمنا. وقد سافرتُ إلى بروكسل من أجل مقابلة فاراج، الذي تمكّن من قلب بريطانيا رأساً على عقب بعد 20 عاماً لم يكن يؤخذ فيها على محمل الجد. ومع أنه يعتقد أن بلير كان سياسياً عبقرياً ذات يوم، يقول فاراج، إلا أن «الحقيقة هي أنه كان مخيّباً للآمال في أعين الرأي العام البريطاني». وفاراج يحب ترامب، ويعترف بأن المشي عبر بهو فندق ترامب إنترناشيونال في واشنطن واحد من الأنشطة الليلية المفضلة لديه. وعلى رغم أن صحيفة «ذا غارديان» أفادت بأن فاراج بات «شخصاً محل اهتمام» في تحقيق «مكتب التحقيقات الفيدرالي» الأميركي حول التدخل المفترض لروسيا في الانتخابات الأميركية، إلا أن فاراج نفى ذلك قائلًا: «ليست لدي أي علاقات روسية». وعلى رغم نجاحه المذهل في «البريكسيت»، إلا أن فاراج اليوم رجلٌ بدون حزب. فقد استقال من حزب الاستقلال البريطاني الذي يمكن القول إنه بات اليوم معطلًا. وفي هذا السياق، يقول فاراج متفلسفاً: «ما الفائدة من الأحزاب السياسية؟»، مضيفاً «هل هي موجودة من أجل نفسها؟ إذا كنت في السياسة لأنك تريد أن تكون شيئاً ما، فإن الأحزاب ضرورية. أما إذا كنت في السياسة لأنك تريد فعل شيء ما، فإن الأحزاب مجرد وسيلة». وفي المقابل، فإن صديقه ترامب استولى على حزبه. وفي هذا الصدد، قال فاراج ضاحكاً: «إنها عملية اختطاف كاملة وهي تعجبني!». غير أن حتى محبي ترامب، يقول فاراج، يتساءلون: «لماذا يخوض معاركَ كثيرة على كل هذه الجبهات في وقت واحد»، وخاصة مع حزبه. والواقع أنه عندما يعتقد شخصٌ مثل نايجل فاراج أنك تخوض عدداً أكبر مما ينبغي من المعارك، فاعلم أنك تواجه تحديات حقيقية. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»