قمم ترامب الثلاث.. وصياغة نظام إقليمي جديد
كان الحدث الأهم في الأسبوع الماضي هو الزيارة التاريخية للرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى السعودية، والقمم الثلاث التي جمعته مع قادة خمسين دولة مسلمة، وما تمخض عنها من التزامات، وتطمينات، وصفقات، وتناغم، واتفاق حول الشراكة في مواجهة التطرّف والإرهاب، والاصطفاف في مواجهة إيران وحلفائها في المنطقة.
وقد تزامن ذلك مع إعادة انتخاب الرئيس حسن روحاني لفترة رئاسية ثانية في إيران، تمتد حتى 2021، وبنسبة مرتفعة، في رسالة واضحة من الناخب الإيراني برغبته في الابتعاد عن التشدد، ورفض خطاب التحدي الذي مثله إبراهيم رئيسي المنافس الأبرز لروحاني.
ولكن لا يبدو أن روحاني «المعتدل» سيغير من مواقف وسلوك إيران الخارجي في استجابة لرسالة الناخبين، دون أن يُحدث ذلك التغيير في سلوك ومنطق إيران تجاه جيرانها الخليجيين والعرب أولاً.. فروحاني في أول مؤتمر صحفي له بعد فوزه قال إن: «مسار ضمان الأمن يكون بتعزيز الديمقراطية، لا التعويل على القوى الخارجية»، متناسياً بذلك قمع الأسد، لشعبه وفقدانه السيادة باستدعائه لروسيا وإيران وعشرات الفصائل الطائفية لضمان بقائه في السلطة، وارتهانه لكل تلك القوى الخارجية!
وكان ملفتاً عدم تراجع حدة الخطاب. وكأني بمواقف بلاده المتشددة تعيد نفسها مجدداً، عندما وصف في أول مؤتمر صحفي له، بعد فوزه، قمم ترامب زاعماً أن «قمم الرياض كانت استعراضاً بلا قيمة سياسية»! وزاد وزير خارجيته ظريف من التصعيد، بالحديث عما اعتبره استغلال أميركا لحلفائها، في مقال في «نيويورك تايمز» بعنوان: «معدات عسكرية جميلة لا يمكنها تحقيق السلام في الشرق الأوسط».
وقد نجحت زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسعودية، والقمم الثلاث التي جمعته مع الملك سلمان، والقادة الخليجيين، وقادة خمسين دولة مسلمة -باستثناء إيران وسوريا- في إحداث تحول إيجابي في العلاقات بين الولايات المتحدة الأميركية والعالمين العربي والإسلامي بشكل عام، وإن كانت نتائج ذلك التقارب، والتفاهمات التي تمت، بحاجة لمزيد من الوقت لبلورة استراتيجية متكاملة تحول التطمينات وزخم الإيجابية إلى خريطة طريق تعيد العلاقات بين واشنطن وحلفائها التقليديين إلى مسارها الطبيعي، على قاعدة معادلة «رابح- رابح» للطرفين.
ومنذ فوز ترامب وتوليه الرئاسة ساد اقتناع بإمكانية التفاهم مع إدارته على سلة مفاهيم مشتركة هي أفضل مما كان عليه الحال مع إدارة أوباما المنكفئة. وقد تمثل ذلك باستدارة ترامب الواقعية حول الإسلام والمسلمين، في زيارته للسعودية وما عرفته في القمم الثلاث، وإشادته بالإسلام، وتأكيده الحاجة لتشكيل تحالف مع الدول المسلمة لمواجهة التطرّف والإرهاب، وهزيمة التنظيمات الإرهابية. وقد أتى خطاب ترامب، عموماً، معتدلاً وواقعياً وأقرب للتصالح.
وفِي إشارة لتفهم ترامب لتعقيد أزمات الشرق الأوسط لم يتحدث أيضاً عن احتمال تنفيذ تعهده بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، ولكن في السياق نفسه أيضاً لم يشر إلى حل الدولتين، وكذلك طور موقفه من بناء المستوطنات، من كونها «لا تساعد على تحقيق السلام» إلى اعتبارها «غير جيدة لتحقيق السلام».
وواضح أن الأطراف المعنية، وخاصة دول الخليج والولايات المتحدة، بعدما شهدت شرخاً في العلاقات الثنائية بينها على مدى ثمانية أعوام تحت إدارة أوباما، تتطلع الآن بشكل جاد لتعزيز الشراكة الأميركية- السعودية، والأميركية- الخليجية، أي شراكة الحلفاء التقليديين، في شتى المجالات الأمنية والدفاعية والاقتصادية والتجارية والثقافية، وكذا توطين صناعات عسكرية أميركية في السعودية.
وهكذا تتطور العلاقة إلى مصاف الشراكة الاستراتيجية التي تخدم جميع الأطراف، ما يساهم في لعب دور محوري في ترسيخ أمن واستقرار المنطقة ضمن شراكة وتحالف في مواجهة التطرف والإرهاب ومشروع إيران ونفوذها عبر حلفائها، وتوسيع تصنيف المليشيات والتنظيمات الإرهابية بغض النظر عن نوعها ومرجعيتها. وقد جاء بيان القمة الخليجية- الأميركية خاصة مطمئناً بالتأكيد على التزام أميركا بالدفاع عن الحلفاء، وتأكيد محاولة إيران بث الفرقة والفتن الطائفية، واستنكار تدخلاتها في شؤون المنطقة.
ويبقى التحدي الحقيقي في استعادة ترامب ثقة الحلفاء في التزامات أميركا وتصميمها على استعادة دورها القيادي، كما وعد، وفي الوقت نفسه تحذير الخصوم والأعداء بعدم التقليل من عزم والتزام أميركا تحت قيادته.. وإذا نجح ترامب في تحقيق ذلك، فإنه يكون قد صاغ فعلاً استراتيجية قابلة للتطبيق تطمئن الحلفاء وتقلق الخصوم، وتهزم جميع التنظيمات الإرهابية بمختلف مرجعيتها ومذاهبها وتسمياتها، وتتصدى لتحدي إيران، وسيشكل ذلك كله نقلة نوعية كبيرة، تغير من جيوبوليتيكية المنطقة، وترسم نظاماً إقليمياً جديداً على أسس صلبة.