«جاستا»..ماذا بعد؟
قانون العدالة «جاستا» وما يعرف برعاة الإرهاب يُشكّل أهم التحولات التي نشهدها في طبيعة العلاقة الأميركية - الخليجية، وإن كانت المملكة العربية السعودية التي تحتل قمة الهرم هي الدولة المقصودة بالدرجة الأولى، فالقانون يشبه لعبة كرة القدم لفريقين في الولايات المتحدة متفقين على تقاسم الأدوار، وإنْ كانوا يظهرون أمام الجماهير بأنها مباراة بين فريقين كل منهما يريد تحقيق الفوز. كان هناك تصويت، وكان هناك حق النقض، وكان لمجلس النواب الحق في وقف حق «النقض» للبيت الأبيض. المهم وصلنا إلى الهدف المتفق عليه بين مختلف الفرقاء، وإنْ أظهر البعض أنه يقف في الصف المدافع عن المملكة العربية السعودية. وكما قيل إن القانون يفتح الباب على مصراعيه أمام مقاضاة الدول على سياساتها وأعمالها، ووفق ما قيل في مجلس حقوق الإنسان بأن الأميركان من أصول أفريقية لهم الحق بمقاضاة الحكومة الأميركية على ما تعرضوا له من عبودية عاشوها، كما قيل بأنه يحق للعراق مقاضاة دول تسببت له في كثير من الدمار، ولا نعرف إذا كان القانون يفتح الباب لمقاضاة الدول الاستعمارية على الحقب الاستعمارية التي تسببت في كثير من الدمار. المهم أننا دخلنا مرحلة جديدة من النقاش، ونستمر في الجدل كالعادة وربما دون نتيجة.
دعونا نتصالح مع أنفسنا بالدرجة الأولى، وننتبه للشأن الداخلي، ونعالج الثغرات التي نفذ منها قانون «جاستا»، فالعلل كثيرة وتجاهلها ليس من صالحنا. هنا نصطدم بحوائط إسمنتية تحجب الرؤية ليس للمستقبل البعيد، وإنما الحاضر المعاش، وهي علة ثقافية تحكم كثيراً من سلوكنا وقراراتنا وسياساتنا. وكخليجي أجد نفسي معنياً بقوة بشؤوننا المحلية بحكم تقاربنا الثقافي والاجتماعي والتاريخي، وأجد نفسي تارة أشك في أننا تهاونّا لعقود طويلة في معالجة كثير من قضايانا، وأهمها تنامي مدارس التطرف الديني التي رعاها وأدارها مستشار الأمن القومي الأميركي زبيجينيو بيرجنسكي إبان فترة حكم الرئيس رونالد ريجان عندما نشّط فكرة الجهاد ضد الشيوعية السوفيتية وتحرير أفغانستان منها، فدفعنا وانسقنا وراء الشعار لإيماننا بخطورة الشيوعية التي لا يعرف الكثير أسس فكرتها سوى أنها معادية للدين. كانت لعبة مسلية أدت غرضها، وانتهت بأحداث سبتمبر التي لم نتخيل حدوثها في أكبر بقعة جغرافية تجارية تمثل السوق الحرة، فوصفها بعضنا بغزوة منهاتن وعمت الفرحة بعودة الماضي بانتصاراته وهكذا وجدنا أنفسنا نعيش على الهامش في ظل مشاهد معقدة لا دور لنا في إخراجها.
نسارع الخطى، ونلتفت يميناً ويساراً لعلنا نخرج من محاولة تضييق الخناق إلا أننا نمضي في نفس الطريق الذي ورثنا إياه الأجداد دون أن ندرك أن كل شيء يتغير، وأن عالمنا تغير، ولم يعد محكوماً باتفاقات تاريخية فرضتها ظروفها. فمنطقتنا تقف على مفترق طرق، ولا تنفع معها مقاربات الحد الأدنى للتحكم بالأضرار، بينما نعجز في التفكير في المستقبل الذي تصاغ ملامحه بوضوح دون أن يكون لنا دور في رسم خريطته. فالزمن ليس بكفيل بحل الأزمات، كما أن تأجيلها لن ينهيها ومن ثم لا مناص من مواجهتها بشجاعة.