المحاولة الانقلابية في تركيا، وأحوال ذلك البلد بصفة عامة، ليست بعيدة عن أحداث المنطقة العربية، ومن ثم فإن باب التوقعات مفتوح على مصراعيه في ظل الصراع المرير الذي نراه. وربما يكون الغموض في الموقف الذي صاحب الساعات الأولى للانقلاب، وخصوصاً من قبل الولايات المتحدة والغرب الأوروبي كذلك أحد أهم ملامح إعادة رسم خريطة المنطقة. وتركيا دولة في الإقليم وتمثل ركيزة مهمة في العالم الإسلامي، وقد استطاعت أن تحقق الكثير من الإنجازات الاقتصادية، وخصوصاً في التخلص من ثقل الديون، وكذلك النجاح في تنشيط الاقتصاد. كما أنها دولة عضو في حلف «الناتو»، وهي بوابة لأوروبا التي تعيش كذلك مرارة العنف والتطرف الديني. وعلى الرغم من كل الخلافات حول طبيعة الحكم، إلا أن النموذج التركي شكل، من وجهة نظر مؤيديه، خطوة مهمة في مجال كبح جموح الإسلام السياسي، أو السعي لتحقيق نوع من التوافق العصري، ولعل هذا يعتبر أحد أهم أوجه الاختلاف بين النماذج الإسلامية العربية والتركية. وتركيا لديها علاقات راسخة مع الدولة الإسرائيلية ويبدو لنا أن الموقف من إسرائيل تم حسمه على مستوى الأحزاب الإسلامية السياسية وخصوصاً جماعة «الإخوان المسلمين» التي لا تخفي هذا التوجه. وبكل تأكيد فلدى تركيا طموحات، ليست بالضرورة توسعية، وإنما هي ركيزة إقليمية لا ينبغي تجاهلها، ومن ثم فإن التفاهم التركي العربي يعد ضرورة في ظل تحولات عالمية كثيرة خصوصاً إذا ما وضعنا في الاعتبار التفاهم الإيراني الغربي، وحالة الاستهداف للإسلام السني التي استطاعت بعض وسائل الإعلام في الغرب أن تروج لها. وربما العلاقة الخليجية التركية هي التي تتعين مناقشتها، ومن الفهم العام نجد تفاوتاً خليجياً قد يسبب إرباكاً للمحور الخليجي بالدرجة الأولى. كما أن من الطبيعي أن تكون لتركيا أجندتها الخاصة، كما هي الحال بالنسبة لدول الخليج العربي التي تقدم نماذج متعددة، وأحياناً مختلفة. والإخفاق الخليجي أحياناً في تنسيق بعض السياسات قد يشكل إحدى أهم الثغرات في الخيارات الخليجية التي ينفذ منها البعض. وربما يلاحظ من خلال المتابعة السريعة أن بعض دول الخليج العربي ما زالت تحمل مراهنات غير مدروسة بدقة، وسياساتها تتسم بعدم الواقعية في ظل الصراعات التي تشهدها المنطقة. فالمراهنة التقليدية لخريطة التحالفات لم تعد قائمة، والمتغيرات سريعة ودول المنطقة معنية بالدرجة الأولى بها، بحكم طبيعة الأحداث، وهي ليست بعيدة عن نماذج فوقية يراد لها أن ترى النور في حالة الفوضى العارمة! والمشهد الخليجي بحاجة إلى مراجعة تعيد التوازن الداخلي لهذه المجتمعات، وخصوصاً الجانب الطائفي الذي ينهش احتقانه المنطقة. فدول مجلس التعاون ما زالت غير قادرة على صياغة تصور استراتيجي متقارب حيال الصراع الدائر، كما أن على هذه الدول أن تدرك أن المبادرة باتخاذ القرار تعد ضرورة تفرضها طبيعة الصراع. وهذه الدول تملك أهم مقومات الأمن الاجتماعي، فهي دول تحظى حكومتها بمساندة اجتماعية كاملة من شعوبها، وهذا ما يجب استثماره والعمل على تطويره نحو نماذج توافقية تسد أي ثغرات في الجدار الخليجي. والأهم أولاً، وقبل كل شيء، أن تتوحد الجهود في مواجهة تحدي الفكر المتطرف الذي بات يهدد الجميع. وبعض السياسات الخليجية المتراكمة بحاجة إلى مراجعة ترتكز على مبادرات جريئة قد تكون صعبة إلا أنها باتت ضرورة تفرضها المرحلة. فالتطرف الديني كان نتاجاً لسياسات عامة، كما أن المؤسسات الدينية في معظمها تحت سيطرة الدولة، ولذا فإن التحرك الخليجي السريع قد يخفف حدة التحديات في المرحلة القادمة.