الانتخابات وترشيد التمويل
في عام 1907 أعلن الرئيس الأميركي تيودور روزفلت أمام الكونجرس «الحاجة إلى جمع أموال كبيرة للحملات الانتخابية ستختفي إذا حدد الكونجرس مخصصات ملائمة ومشروعة للنفقات لكل الأحزاب الوطنية الكبيرة». وأوصى الرئيس الديمقراطي بحظر تبرع الشركات للحملات الانتخابية. وتفضيل روزفلت للديمقراطية على البلوتوقراطية، أي حكم الأثرياء، لا وزن كبير له لدى القضاة الخمسة الذين عينهم الجمهوريون في المحكمة العليا، ولكن هناك كثيراً من الأميركيين يفضلون أن يكون الكونجرس أقل اعتماداً على دعم أهل الثراء.
ولدى «جون ساربنز» النائب الديمقراطي عن ولاية مريلاند مشروع قانون قد يجد فيه المناهضون لحكم الأثرياء مبتغاهم. وليس أمام «قرار مجلس النواب 20» فرصة للموافقة أو حتى التصويت عليه في الكونجرس الحالي، ولكنه بالطبع من أكثر المقترحات حكمة منذ سنوات كبداية لتقليص سطوة المال على التشريع الأميركي.
ويوفر مشروع القانون الذي تطلق عليه الحكومة «قانون الشعب» لمرشحي مجلس النواب وسيلة لجمع المال دون عرض أنفسهم للمزاد في «وول ستريت» أو «كيه. ستريت» (شارع جماعات الضغط والمراكز البحثية في واشنطن). فإذا اختار المرشحون تحديد المساهمات لحملاتهم بما لا يزيد عن ألف دولار فإن كل مساهمه يتلقونها بقيمة 150 دولاراً أو أقل من سكان ولاياتهم سيتلقون مقابلها ستة أمثال من الأموال العامة. أي أن التبرع بمبلغ 100 دولار يؤدي للحصول على 600 دولار من الأموال العامة. وكي يكون من حق المرشح الحصول على هذه الأموال يتعين عليه رفض التبرعات من لجان العمل السياسية ما لم تكن هذه اللجان قد حصلت على أموالها من مساهمات بقيمة 150 دولاراً أو أقل. وأشار «ساربنز» إلى أنه ما زال من الممكن التبرع للمرشحين من المشاركين في لجان العمل السياسية التي تجمع أموالها من مئات أو آلاف المانحين الصغار.
وعلاوة على هذا، ولتشجيع الأشخاص أصحاب الدخول الصغيرة على المساهمة، يستطيع المتبرعون الحصول على خصم 50 في المئة من الضرائب عن أول 50 دولاراً من التبرعات لأي مرشح. وقد عصفت المحكمة العليا في سبيل اهتمامها بمصالح حرية التعبير للأثرياء بقوانين البلاد التي تمكن المرشحين من الحصول على المزيد من الأموال العامة إذا تخطى إنفاق خصومهم حداً معيناً. ولكن التشريعات المحلية وعلى المستوى الفيدرالي التي تقدم أموالاً عامة موازية دون اشتراطات لمقابلة هذه المبالغ بإنفاق المرشحين الآخرين ظلت دون مساس.
ويؤكد «ساربنز» أن «مشروع القانون يعالج الحاجة إلى بناء حركة لإبعاد الحكومة عن تأثير المال. هناك حزمة من المقترحات لفعل هذا، منها مشروعي ومشروعات أخرى تطالب بكشف كامل عن التبرعات، وحركات من حمَلة الأسهم بأن تكون لهم كلمة في تبرعات الشركات. وكل هذا نابع من القناعة العميقة بأن الشعب الأميركي قد تم التخلي عنه».
ويشارك في رعاية مشروع قانون «ساربنز» 145 شخصاً من بينهم «والتر جونز» النائب الجمهوري عن ولاية نورث كارولينا. ويحظى المشروع أيضاً بدعم ائتلاف أوسع بكثير من جماعات الحكم الرشيد التقليدية. وتؤيد مشروع القانون كذلك نقابات وجماعات للحقوق المدنية والدفاع عن البيئة تؤمن بأن سيطرة المال على القرار السياسي تشكل تهديداً جدياً لكل المبادرات التقديمة.
ولكن حتى لو قدر لمشروع «ساربنز» أن يصبح قانوناً، فلن يحيّد قدرة الأموال على حسم سباق الانتخابات المحتدمة. والإنفاق الكبير في الانتخابات حالياً لا ينبع من حملات المرشحين ولكن من حملات الجماعات الداعمة والأفراد. غير أن تمويل حملات المرشحين من خلال تبرعات صغيرة لن يكون فحسب خياراً مفضلًا أخلاقياً لهم، بل سيكون مجدياً انتخابياً أيضاً. ويضيف «ساربنز» أنه من خلال عملية التمويل بالقليل من الدولارات يستطيع المرشح قضاء وقت أكبر مع المرشحين وليس في شارع «كيه. ستريت».
وعلى مدار العقد الماضي تباطأت حركة الحصول على أموال عامة موازية للمرشحين في بعض الولايات، بينما تسارعت هذه الحركة في مدن مثل لوس أنجلوس ونيويورك التي سنت تشريعات تساعد على تعدد مساهمات التبرعات بمبالغ قليلة، بينما لم تفعل ذلك ولايات أخرى. وقد تكون هذه هي بداية التغيير مع تزايد هيمنة الأموال الطائلة على حياتنا السياسية التي يمثلها تعهد الأخوين «كوتش» بإنفاق ما يقرب من مليار دولار من أموالهما قبيل الانتخابات الرئاسية المقبلة. وهنا يتساءل «ساربنز»: «هل يستطيع 300 مليون أميركي التفوق على الأخوين كوتش؟».
----------
محلل سياسي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»