انتهت أربع سنواتٍ من الفوضى والقتل والدم، وذلك تحت شعارات الحرية والعدالة والديمقراطية، والشعب يريد! كلها شعارات باتت منتهية الصلاحية، في العام الأول كان هناك هياج عالمي وإقليمي لتأييد هذه الاضطرابات التي قرأت على أنها ستأتي بأنظمة حكمٍ صالحة، أقل فساداً من غيرها، لن يكون بالإمكان أسوأ مما كان، كل تلك كانت تبريرات، تبيّن لاحقاً بالفعل أن بالإمكان أسوأ مما كان، فنظام مبارك كان أكثر نفعاً من نظام مرسي، وعلى هذا فقسْ، والآن تجري الأحداث من دون ضابطٍ ومن دون إيقاع، ذلك أن الكل صار يقتل الكل، ولا أحد يعترف بوجود مشروعيةٍ لأحد، هذا هو حال المجتمعات العربية حين تنفلت! كان أدونيس يصف العرب بشكلٍ دقيق حين قال: «كل عربي، بداخله نبي، فلك أن تتخيل كيف ستتعامل مع مجتمع مكوّن من ملايين الأنبياء»! هناك بالفعل ارتجالات على مستوى إشعال الانتفاضات، أو التخريب، أو الأمر بالقتل، أو إحراق السفارات واغتيال السفير كما حصل مع السفير الأميركي في ليبيا. لم تعد للمشروعية أي قيمة في المعاني الثورية القائمة، ولنا أن نطرح مجموعة من الأسئلة على أكثر من تجربة عربية ساهمت في الانتفاضات الجارية، وهي أسئلة تعبر عن أزمة في المحاسبة التي يمارسها الثائر القاتل. في ليبيا، من الذي سيحاسب الثائرين بشكلٍ جنوني، والممارسات الحربية باسم القبلية والأقاليم، أو تحت ذرائع الدين والحقيقة والرأي الصائب؟!، من الذي يمكنه أن يلاحق تنظيم «داعش» في ليبيا الذي غرس بذرته هناك ومد ذراعه إليها؟! هناك فراغ سلطوي رهيب مكّن كل أشكال القتل لتكون ماثلةً فيها، وليس هناك أي بوادر لإيقاف هذا الاضطراب. حين فقدت شروط التغيير الثقافية، حصل الذي حصل في ليبيا مع أنهم ظفروا بنعمة التغيير السهل عبر التدخل الدولي، على عكس الذي يجري في سوريا حين سحق النظام ربع مليون، وهجّر سبعة ملايين، ولا يزال هو الأقوى. التجربة المصرية في المحاكمة والمحاسبة لا يمكن إنجازها في ليبيا، ذلك أن مصر تجاوزت الخطر بسهولة عبر ثورة 30 يونيو، بينما ليبيا لم تبدأ الخطوة الأولى للذهاب إلى مرحلة بعيدةٍ من الاستقرار والتطور، وبدء بناء المؤسسات، هناك كارثة تجري بليبيا بسبب الحمق الثوري، والجنون المادي، والتعصب الديني الممتد قبلياً، وهذا يؤثر على أي مشروع إصلاحي. دائماً يأتي السؤال الذي طرح من قبل في الدول الثائرة غرباً وشرقاً، في ظل هذا الجنون، هل يكفي للثائر أن يرفع شعاراً ليكون مقدّساً وبمنأى عن المحاسبة، والملاحقة القانونية؟! وإذا كان هذا الثائر في بلدانٍ منفلتة أمنياً من سيحاسبه؟ إنها معضلة سياسية وقانونية أن تمتطى الشعارات الثورية، لتنفيذ الجرائم على الأرض وضد الناس، ذلك أن جنون الثورة وصل إلى حد سفك الدم من أجل الديمقراطية، مع أن الإنسان أغلى من كل الشعارات قاطبة بما فيها الديمقراطية الموهومة!