«منظمة العفو الدولية».. أي مصداقية؟!
كأن تقرير «منظمة العفو الدولية» يتحدث عن دولة غير التي أعرفها، وغير التي يعيش على أرضها أكثر من ثمانية ملايين إنسان، منهم سبعة ملايين تقريباً ينتمون إلى أركان المعمورة الأربعة، وتشهد معدلات هائلة للحركة منها وإليها، بما يجعل كل ما يدور فيها تحت أعين العالم بأسره، ربما أكثر من أي مكان آخر في العالم. حين تقول المسؤولة عن المنطقة في «منظمة العفو الدولية» في وصف دولة الإمارات العربية المتحدة، إنه «تحت بريق واجهة الألق والروعة، ثمة جانب أكثر ظلمة تكشفت معالمه في الإمارات العربية المتحدة ويظهر هذا البلد كدولة قمعية متجذرة»، فمن المؤكد أنها تتحدث عن بلد غير الذي يراه العالم كله، ويراقب باهتمام كل مجريات الأمور فيه. «الجانب الأكثر ظلمة» موجود في خيال المنظمة التي تعرِّض نفسها لتآكل المصداقية وتراجع الثقة بها، وفي خيال من اختارتهم لإصدار تقرير يعصف بأسس الحياد والنزاهة المفترضة، وينطلق من دوافع سياسية بحتة أدت به إلى الخروج على هذه الصورة من الاختلال والادعاء ومجافاة الحقيقة الواضحة لكل ذي عينين.
قبل شهرين تقريباً، أجرى موقع «تشالنجز» وكلية «إنسياد» استطلاعاً للرأي بين خريجي الكلية حول أفضل المدن جاذبية للعمل والعيش في العالم، واحتلت مدينة دبي المرتبة الأولى. وكانت مدينة لندن، حيث يقع مقر منظمة العفو الدولية، في المرتبة العاشرة.
وفي استطلاع «أصداء بيرسون- مارستيلر» السنوي السادس لرأي الشباب العربي، أعرب 39% عن رغبتهم في العمل والعيش بدولة الإمارات، فيما كانت نسبة الراغبين في العمل والعيش بالولايات المتحدة الأميركية 21% فقط.
وفي مؤشر الرضا والسعادة، الذي تجريه الأمم المتحدة، احتلت دولة الإمارات المركز الرابع عشر عالمياً والأول عربياً عام 2013.
المؤشرات السابقة، وغيرها كثير، تقيس جانباً معنوياً خالصاً، والعينة في معظمها من الشباب الذين يقيمون وزناً كبيراً لتوافر الحريات والإشباع المعنوي والنفسي إلى جانب الرفاهية والعناصر المادية الأخرى. وتفضيل الحياة في دولة الإمارات، والمراكز المتقدمة لها، هو أفضل رد على من يقيمون في خيالهم «جانباً أكثر ظلمة» يمنعهم من رؤية الحقائق.
ببساطة، لا يمكن لدولة يمثل العيش فيها حلماً للشباب من مختلف أنحاء العالم أن تكون دولة قمعية، أو أن تصادر الحريات، ولا يمكن لها أيضاً أن تخلق لدى ساكنيها والمقيمين بها شعوراً بالسعادة والرضا، فالقمع والقهر لا يمكن لهما أن يُنتجا سعادة أو رضا.
وفضلاً عن أنه لا يمكن لأحد أن يُجبر شخصاً أن يقول غير ما يعتقد في استطلاع للرأي، فإن «تواتر» التقارير الإيجابية وتعددها، وتنوع الجهات التي تقوم على تنفيذها - بما في ذلك جهات مثل الأمم المتحدة – وتنوع جنسيات المشاركين فيها، إنما يدحض الصورة القاتمة التي يحاول تقرير منظمة العفو الدولية تمريرها لمصلحة أطراف بعينها فيما يبدو.
كان أجدر بالمنظمة العريقة ألا تنخدع بالذراع الأخطبوطية لجماعات الإسلام السياسي التي يبدو أنها اخترقت كثيراً من منظمات حقوق الإنسان وبدأت تجيِّر القرارات والتقارير والتصريحات الصادرة عنها لصالحها. والوجه المظلم لهذا «الغزو» من الداخل هو تحول المنظمات الحقوقية في العالم، من حيث تدري أو لا تدري، إلى مخلب قط لإرهاب وحشي شرس يرتكب أبشع وأفظع الجرائم على مرأى ومسمع من العالم، ويمهد الأرض لتوسيع نطاق جرائمه عن طريق استدراج المنظمات الدولية إلى إصدار تقارير من النوع الذي صدر أخيراً عن منظمة العفو الدولية.
إن الشخصيات والجماعات التي اعتمدت عليها المنظمة في تقريرها المتهالك، ليست إلا الطلائع المتقدمة لـ«داعش» وشقيقاتها، وترتدي هذه الشخصيات والجماعات قناعاً زائفاً من السلمية وتلوك أمام العالم مفردات حقوقية وإنسانية وتدعي تعرضها للجور والانتهاكات، لتخلق مناخاً من البلبلة والتشكك وتحرث الأرض أمام بذور الفوضى وعدم الاستقرار، واستقطاب مزيد من المخدوعين الذين يتحولون في النهاية إلى قاطعي رؤوس أو منفذي عمليات انتحارية في بلدانهم أو في بلدان أخرى.
حفظ حقوق الإنسان إنما يكون بمنع هذه الجماعات من تحقيق أهدافها، وقطع الطريق أمام المراحل الأولى لـ«الداعشية» فكراً وتنظيماً، وتجفيف كل المنابع التي تمد الإرهاب الأسود بزاد لا ينفد من المغيِّبين والمضلَّلين الذين يصبحون آلات للقتل تحت شعارات دينية زائفة.
حفظ حقوق الإنسان يكون بنشر التعليم والتنمية والخدمات الصحية لكل المقيمين على أرض الدولة، وتوفير ملايين من فرص العمل التي تضمن حياة كريمة لعشرات الملايين من العاملين بالدولة وأسرهم، وتقيهم شر العوز والحاجة. إذا لم تكن منظمة العفو الدولية تعلم، فإن المنشآت العقابية في دولة الإمارات، استقبلت نزلاء من كل أنحاء العالم تقريباً، بحكم العدد الكبير للجاليات الوافدة فيها، وما كان لأي سلوك ينطوي على تجاوز أن يمر دون أن تتحرك دول عدة من العالم لضمان حقوق أبنائها، فلماذا لم توجه هذه الانتقادات إلى المنشآت العقابية بالدولة من قبل؟
ومحاكم الإمارات بكل درجاتها تنظر قضايا من كل نوع، وفي كل درجات التقاضي ومراحله، وبين خصوم من كل أنحاء العالم لهم مصالح تجارية واقتصادية ونزاعات وخلافات تتعدد أشكالها. وعبر عقود من العمل رسَّخ النظام القضائي الإماراتي سمعته بوصفه قضاء يحق الحقوق، وشفافيته ونزاهته من بين العوامل التي صنعت للدولة مكانتها. وقد تصدرت الإمارات دول المنطقة في مؤشر سيادة القانون، الصادر عن مشروع العدالة العالمي (وورلد جستس بروجكت) لهذا العام، واحتلت مرتبة متقدمة عالمياً. فلِمَ لمْ تصدر الاتهامات لهذا النظام القضائي إلا عن شرذمة بعينها اشتهرت بالانتهازية السياسية وتزييف الحقائق واختراق ما يمكن اختراقه من مؤسسات محلية أو إقليمية أو دولية وتجيير عملها لصالحها؟
لست أدري، أهو تواطؤ من منظمة العفو الدولية أم مجرد غفلة منها، أن تجعل تقاريرها أداة لخدمة من يقطعون الرؤوس جهاراً نهاراً؟ إن هذه التقارير تمهد الطريق أمام «القوات الأمامية» لجحافل الإرهاب التي تترقب غير بعيد، وتحاول توجيه طعنات إلى الدولة التي نبهت منذ وقت طويل إلى خطر الإرهاب الذي سيفوق كل تصور، ووقفت ضده بشجاعة وثبات تدافع عن حق الإنسان في حياة آمنة حرة كريمة، وتوفر لعشرات الملايين من البشر أسباب هذه الحياة.