لماذا يحنّون إلى زمن صدام؟!
حين اغتيلت نورس النعيمي، المذيعة العراقية ذات الـ19ربيعاً، في الموصل، روت صديقتها وزميلتها في الجامعة كيف أن هذه الفتاة على اهتمامها بالدراسة عملت مذيعةً من أجل المساهمة في معيشة أسرتها، غير أن الأمن المنفلت، صنع من الجهلاء مقاولين للقتل، فكان من سرق حياتها واغتالها جاهلاً بينما تتحدث هي لغتين، ولا يفارقها كتابها. من المؤسف أن نقول إن سوء الواقع العراقي، جعل عهد صدام حسين موضع حنين، ومن يقارن بين العهدين؛ عهد صدام والذي تلاه، سيجد أن القتل هو القتل، وأن الإجرام هو الإجرام، لكن الفارق أن عهد صدام امتاز عن عصر الزعامات و العشائر و الميليشيات والأصوليات بالأمن. كان عهد صدام آمناً، لا لأنه كان عادلاً، بل لأنه كان ديكتاتوراً، والديكتاتوريات تجمد الحياة، فإذا ذاب الجليد، بزوالها، ظهرت الدواب والهوام والحشرات، حتى ليقول من يراها: من أين جاءت؟! قبل أيام أجرت وكالة الصحافة الفرنسية مقابلةً مع مستشار الأمن القومي العراقي السابق موفق الربيعي، والذي شهد إعدام صدام حسين، وتحدث عن تفاصيل إجراءات الإعدام، قائلاً:« تسلمته عند الباب. لم يدخل معنا أي أجنبي أو أي أميركي، كان يرتدي سترة وقميصاً أبيض، طبيعي غير مرتبك، ولم أرَ علامات الخوف عنده. طبعاً بعض الناس يريدونني أن أقول إنه انهار، أو كان تحت تخدير الأدوية، لكن هذه الحقائق للتاريخ. مجرم صحيح، قاتل صحيح، سفاح صحيح، لكنه كان متماسكاً حتى النهاية». الربيعي قال إن مسار إعدام صدام انطلق بعد أحد المؤتمرات المتلفزة بين المالكي والرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش، الذي سأل المالكي، خلال اللقاء، بحسب الربيعي: «ماذا تفعلون مع هذا المجرم؟»، فرد المالكي بالقول: «نعدمه». فيرفع بوش إبهامه له، موافقاً! رسم عالم الاجتماع العراقي الراحل، علي الوردي «شخصية الفرد العراقي»، في كتابه، فقال: «حماسة العراقيين كنار الحلفاء لا تكاد تلتهب حتى تخمد؛ تلتهب مع المثال وتخمد مع الواقع». المجتمع العراقي بطبيعته حي، وله إرث ممتد، وأثر علمه وامتداده واقتصاده على المنطقة بأسرها،وبغداد تلك العاصمة التاريخية تحولت إلى منطقة أمنية، وثكنة عسكرية لفئة من السياسيين الخائفين الطائفيين، والذين يسيرون على نموذج صدام لكن مع اختلاف بعد الرأي، والقوة، والحنكة، والحزم. بين صدام حسين ومن بعده، فروقات كبيرة على مستوى القدرة على ضبط الأمن، وتجاوز الطائفية. لا يمكن لأحد إلا أن يعتبر صدام حسين ديكتاتوراً، لكنه كان ظالماً للجميع، ولم يوزع ظلمه على أساس طائفي، لكنه كان يخوض صراعاً مع إيران، وبالتالي كانت حساسيته ممن يوالونها كبيرة. القصة بآخر المطاف أن صدام حسين أعدم وبقي نهجه، بل وتم تطوير نهجه ليبدو أكثر دمويةً. والمشكلة ليست في البنية الحادة للفرد العراقي والتي رسخها الحجاج بن يوسف في خطبته، بل في الأنظمة التي جاءت بتغيير قسري وجذري. لقد سلّمت أميركا بغزوها للعراق كل البلد لإيران، ولا نتعجب من أحد البرلمانيين العراقيين حين سئل:«لو غزت إيران العراق فمع من تكون؟! أجاب:طبعاً مع إيران». هذا الموقف كفيل بشرح شيء مما يجري بالعراق.