النرويج...والتحريض الإسرائيلي ضد «السلطة»
نقاش حاد حول المساعدات المقدمة للسلطة الفلسطينية اندلع في النرويج، التي تعتبر واحدة من أقوى الداعمين للفلسطينيين في أوروبا. فبشكل مفاجئ، أخذت عملية تدقيق عاجلة تطرح أسئلة حول ما إن كانت المساعدات التي تقدمها أوسلو للفلسطينيين ربما تساهم في جعل السلام أقل احتمالا، بدلا من أن تجعله أكثر احتمالاً.
والجدير بالذكر هنا أن النرويج تفتح محفظتها للسلطة الفلسطينية، حيث تساهم بأكثر من 50 مليون دولار سنوياً منذ عام 2008. ويذهب معظم المال إلى ميزانية السلطة الفلسطينية، في ما يذهب بعضه للمساهمة في تمويل التلفزيون الفلسطيني. غير أن النرويجيين أتيحت لهم مؤخراً فرصة الاطلاع على برامج تلفزيون السلطة الفلسطينية وتأثيرها، وكانت التجربة غير جيدة. الأمر الذي فجر معركة سياسية، وسلسلة من الأسئلة ذات تداعيات كبيرة ربما.
المنظمة الإسرائيلية التي تعرف باسم «مراقبة الإعلام الفلسطيني»، تقوم بمراقبة برامج التلفزيون الفلسطيني وترجمتها، وتجادل منذ وقت طويل بأن برامجه تساهم في تسميم الأجواء، لأنها تشيطن إسرائيل واليهود أمام الجمهور الفلسطيني، في الوقت الذي يتحدث فيه الزعماء الفلسطينيون عن السلام والمصالحة أمام الجماهير الدولية.
وربما لأن «مراقبة الإعلام الفلسطيني»منظمة إسرائيلية، فإن المنتقدين الأوروبيين يميلون عادة إلى التقليل من أهمية خلاصاتها وملاحظاتها. ولكن صحفياً من مؤسسة «إن. آر. كي» الإعلامية النرويجية الأولى، «تورمود ستراند»، قرر التحقيق في الموضوع.
لقد عرضت «إن. آرد. كي» فيلم «ستراند» الوثائقي، الذي صدم العديد من النرويجيين وفجر نقاشات برلمانية محتدمة. ولم يُظهر تحقيق «إن. آر. كي» المواد التي يبثها تلفزيون السلطة الفلسطينية فقط، وإنما الآراء المقلقة التي تخلقها بين المشاهدين أيضاً. وهكذا، سمع المشاهدون النرويجيون تلفزيون السلطة الفلسطينية يبث دعاوى تحث جمهوره على محاربة اليهود وقتلهم، ورأوا أطفالاً فلسطينيين على تلفزيون السلطة الفلسطينية يهتفون «عدونا، صهيون، شيطان بدون ذيل». وشاهدوا «أفلاماً وثائقية» فلسطينية تكرس صوراً نمطية تحمِّل اليهود المسؤولية عن أسوأ اللحظات في التاريخ الأوروبي...».
«ستراند» تحدث مع فلسطينيين في شوارع رام الله؛ واكتشف أن آراءهم تنسجم مع الرسائل الصادرة عن تلفزيون السلطة الفلسطينية؛ حيث أظهر تقريره فلسطينيين مقتنعين بأن «بروتوكولات حكماء صهيون»، حقيقية، ويعتقدون اعتقاداً راسخاً أنها تمثل دليلا على أن «اليهود يخططون للسيطرة على العالم».
النرويجيون ينظرون إلى أنفسهم كمدافعين عن المقموعين والمضطهدين، ويرغبون في الاعتقاد بأن مساعداتهم السخية تساهم في الدفع في اتجاه قيام دولة فلسطينية وزيادة فرص المصالحة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. غير أن ما رأوه هو تمويل مالهم لماكينة رسائل تحقق عكس ذلك تماماً. وزير الخارجية «إيسبن بارث إيد» يقول إن المساعدات المالية النرويجية أساسية من أجل حل الدولتين، مضيفاً أن المسؤولين النرويجيين اتصلوا برئيس السلطة الفلسطينية، الذي وعد بمتابعة هذا الموضوع. ولكن الفلسطينيين انتقدوا التقرير وعزوه إلى عمليات «التحريض» الإسرائيلية ضدهم.
ولم يدع أعضاء البرلمان النرويجي الموضوع يمر مرور الكرام. وفي هذا الإطار، دعا المتحدث باسم حزب «التقدم»، وهو ثاني أكبر حزب في البرلمان، إلى سحب النرويج لتمويلها «إذا لم تتخذ السلطة الفلسطينية إجراءات لوقف هذا النوع من رسائل الكراهية». وهو رأي تشاطره أحزاب معارضة أخرى، مثل الديمقراطيين المسيحيين و«المحافظين».
وإلى ذلك، جلب التدقيق الجديد الانتباه أيضاً إلى ممارسة السلطة الفلسطينية لدفع الرواتب - رواتب كبيرة أحياناً - لسجناء فلسطينيين، من بينهم أشخاص محكوم عليهم بتهمة ارتكاب جرائم قتل متعددة في حق إسرائيليين. وفي هذا السياق، قال عضو البرلمان «بيتر جيتمارك» للتلفزيون النرويجي «إن. آر. كي» إن النرويج تساهم بطريقة غير مباشرة في الإرهاب عبر المساهمة في تمويل رواتب قتلة مدانين. وأضاف محذراً: «إن هذا أمر خطير جداً»، لافتاً إلى أن الرواتب التي تدفع للسجناء تزداد أهمية كلما كانت العقوبة طويلة، ما يعني أن مرتكبي أسوأ الأعمال يتلقون المزيد مما أشار إليه المستجوِب من «إن. آر. كي» باعتبارها «أموال دافع الضرائب النرويجي». ودعا «جيتمارك» لجنة التحقيق التابعة للبرلمان إلى فتح تحقيق في الموضوع.
والواقع أن هذه اللحظة النرويجية الاستثنائية للتأمل وطرح الأسئلة تستحق اهتمام كبيراً من المانحين الآخرين، لأن السلطة الفلسطينية تتلقى مئات الملايين من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا وفرنسا وبلدان أخرى. والأكيد أن الحل ليس هو قطع جميع المساعدات عن السلطة الفلسطينية، بل هو جعل المساعدات مرتبطة بتشجع المصالحة والترويج لها.
إن السلطة الفلسطينية، هي التيار الوحيد البديل لـ«حماس»، ولذلك، لا بد من دعمها وتقويتها، ولكن فقط إنْ هي نبذت أيديولوجيا الكراهية. وأي جواب آخر من المانحين، مثلما أخذت النرويج تكتشف ذلك، يرقى إلى إرسال المال لتمويل الحرب ضد السلام.
فريدة جيتيس
كاتبة ومحللة سياسية أميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»