سوريا...وموقف "البنتاجون الفاتر"
من السهل معرفة الأوقات التي تكون فيها "البنتاجون" معارضة للتدخل العسكري، حينها نسمع بتسريبات تتحدث عن صعوبة مثل هذا التحرك والأخطار المترتبة عنه، فقد سمعنا كلاماً مشابهاً في التسعينيات تتعلق بالبوسنة وكوسوفو، وسمعناه أيضاً في السنة الماضي بشأن ليبيا، وها نحن نسمعه اليوم عن سوريا.
فتقارير الأخبار تنقل تصريحات لمسؤولين مجهولي الهوية في وزارة الدفاع تقول إن سوريا تملك أنظمة دفاعية متطورة، ولديها جيش كبير قوامه 330 ألف رجل يصعب هزيمتهم في أرض المعركة، كما يضيفون أيضاً أننا لا نعرف بما فيه الكافية الكثير عن المعارضة لبدء تسليحها، فضلاً عن تشرذمها وعدم خضوعها لقيادة موحدة، ثم ينتقل هؤلاء المسؤولون للحديث عن مخاطر التدخل في سوريا، واحتمال إطلاق حرب أهلية وجر الولايات المتحدة إلى حرب بالوكالة مع إيران وربما مع روسيا.
وأخيراً يقولون إن التدخل يفتقد لحد الآن إلى إجماع دولي وتأييد واسع من القوى العالمية الفاعلة، كل ذلك، حسب نفس المسؤولين، يُفترض به أن يحول دون القيام بسلسلة من الخطوات التي تدخل في إطار التدخل العسكري ومنها تسليح المعارضة السورية على الأرض، وفرض مناطق لحظر الطيران، وشن ضربات جوية على أهداف عسكرية تابعة للنظام، إضافة إلى الحديث عن إقامة ممرات إنسانية، حيث يمكن للسوريين الهاربين من جحيم العنف وويلات القتل والتنكيل اللجوء إليها احتماء من نظام لم يتردد حتى الآن في قتل عشرة آلاف مدني على الأقل.
وإذا كان من المفهوم والمنطقي أن يبدي القادة العسكريون تحفظهم إزاء إرسال جنودهم إلى الخطر، وبما أن التحذيرات المغلوطة السابقة للقادة العسكريين لا تعني أنهم على خطأ في جميع الأحيان والحالات، إلا أنه في الحالة السورية يتعين التفكير جدياً في التدخل.
فحتى إذا كان من الضروري التفكير ملياً في الحالة السورية وعدم التسرع، فضلاً عن حساب جميع الاحتمالات، إلا أن ذلك عليه ألا يدفعنا إلى رفض نهائي للتدخل العسكري في سوريا فقط لأن "البنتاجون" تثير السيناريوهات الأكثر رعباً.
ولنبدأ أولًا بالأنظمة الدفاعية الموجودة لدى النظام السوري التي يتحدث عنها القادة العسكريون، فبالنظر إلى السهولة واليسر الذين اخترقت بهما الطائرات الإسرائيلية تلك الأنظمة في 1982 خلال الحرب اللبنانية، ومرة أخرى في 2007 عند قصف المفاعل النووي في الصحراء السورية، فمن غير المرجح أن تشكل تلك الدفاعات عائقاً كبيراً أو تحدياً جسيماً أمام أكبر قوة جوية في العام وأكثرها تطوراً. فسلاح الجو الأميركي لم يواجه أية مشاكل تذكر في القضاء على دفاعات صدام حسين مرتين، تلك الدفاعات التي على غرار نظيرتها السورية كانت من صنع روسي، لكن ماذا عن الجيش الجرار الذي يبلغ قوامه 330 ألف رجل؟
الحقيقة أن أغلب أفراد الجيش ليسوا مدربين تدريباً جيداً، كما أن معظمهم من المجندين السُنة غير المتحمسين كثيراً للدفاع عن نظام يهيمن عليه "العلويون"، ولا يمكن للنظام سوى الاعتماد فعلاً على 30 ألف من الجنود العلويين، وهو ما يفسر لجوء النظام إلى نفس الوحدات لشن حملاته على مناطق المعارضة واحدة تلو الأخرى، أما احتمال إشعال حرب بالوكالة في المنطقة مع إيران وروسيا، فيجب أن نعرف بأن إيران كانت تشن حروباً ضدنا سواء بالوكالة، أو مباشرة منذ احتجازها للرهائن الأميركيين داخل السفارة الأميركية في 1979، لذا لو استطعنا إطاحة أصدقاء إيران في دمشق، فإن الأمر لن يعدو هجوماً مضاداً نظير كل الاعتداءات الإيرانية السابقة على الولايات المتحدة.
أما روسيا فهي بالفعل تملك قاعدة بحرية في سوريا، لكن على الأرجح لن تقترب الولايات المتحدة من تلك القاعدة ولا من المنشآت الروسية الأخرى.
وفي غياب أي استهداف لتلك المنشآت، من الصعب تخيل كيف يمكن لنزاع أن ينشب مع روسيا بسبب دمشق، فالأمر هنا لا يتعلق بأزمة الصواريخ الكوبية، كما أن روسيا لن تذهب إلى الحرب للدفاع عن نظام الأسد، فماذا عن انقسام المعارضة السورية؟ الواقع أنه لا يمكن إخفاء هذه المشكلة، لكن يمكن التخفيف منها بتقديم الدعم والتدريب، ويمكن للولايات المتحدة أيضاً استخدام نفوذها لدعم العناصر المعتدلة في المعارضة وقطع الطريق على تلك الراديكالية، التي تتلقى أموالًا من جهات أخرى.
وحول المخاوف التي تثار بشأن الحرب الأهلية في حال تسليح المعارضة يجب أن نعي بأن سوريا تشهد حالياً حرباً أهلية، وهي مرشحة للتصاعد أكثر إذا ظل الوضع على ما هو عليه، وكلما ضغطنا أكثر لإنهاء حكم الأسد أسهم ذلك في وقف الحرب، وأعطى الولايات المتحدة حيزاً أكبر لممارسة نفوذها مع النظام الجديد، لكن في المقابل إذا اتخذنا موقف المتفرج ستتحقق السيناريوهات السيئة مثل وقوع الأسلحة الكيماوية للنظام في أيدي الجماعات المتطرفة مثل "القاعدة وغيرها، أو تحول سوريا نفسها في ظل استمرار الفوضى والعنف إلى ملاذ آمن للجماعات المتشددة بسبب فشل الأسد في السيطرة على أرضي بلاده.
وفي حال استمرار المعارضة الروسية والصينية للتدخل بعد استخدامهما لحق النقض سابقاً حينها يمكن لواشنطن حشد تحالف الراغبين على غرار ما قام به كلينتون في كوسوفو.
وإن كان ذلك لن يحصل إلا إذا قرر أوباما بأن الوقت قد حان للتدخل وبعدم السماح لموقف "البنتاجون" المتحفظ بشل إدارته.
ماكس بوت
زميل في "مجلس العلاقات الخارجية" الأميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"