"بقعة الزيت" وتناقضات لويزيانا
قد يكون الأميركيون قلقين للغاية بشأن بقعة الزيت، وما أحدثته من خراب في البيئة الطبيعية بمنطقة خليج المكسيك- وهو قلق مشروع - لكن الحقيقة هي أن تلك البيئة لم تكن نظيفة تماماً لعقود طويلة، وهو ما يرجع لأن ولاية "لويزيانا"، كانت قد عقدت "صفقتها مع الشيطان" منذ زمن طويل.
فاحتضان هذه الولاية للصناعة البترولية منذ عقود طويلة، عرّضها لما يطلق عليه الاقتصاديون "لعنة الموارد"، وهي تلك اللعنة التي تصيب الولايات الغنية في الموارد الطبيعية، والتي كانت تجعل نمو هذه الولايات أكثر بطئاً من نمو الولايات الأخرى، وتجعل سكانها يعيشون في مستوى حياة أقل من مستوى الولايات الأخرى كذلك.
لم تكن لويزيانا استثناء من تلك القاعدة، حيث زاد اعتماد سكانها على النفط، كما كان هدف أصحاب المصالح النفطية والصناعات المرتبطة بها هو إنتاج أكبر كمية ممكنة من تلك المادة بصرف النظر عن أي اعتبار آخر، بما في ذلك الأضرار التي تحدث للبيئة، وهو ما أدى إلى تعرض نسبة كبيرة من سكانها لأضرار صحية خطيرة، وفقاً لبيانات مكتب التعداد السكاني وجامعة "هارفارد"، والتي تثبت أن لويزيانا تحتل المرتبة 49 من بين 51 ولاية أميركية في معدل العمر المتوقع، وثاني أكبر ولاية في نسبة وفيات الأطفال عند الولادة، والرابعة في معدل انتشار الجريمة، والمرتبة الـ46 في أعداد الحاصلين على مؤهلات جامعية ممن هم فوق سن 25 عاماً، والثانية في نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر.
الثروة النفطية لم تخلق هذه المشكلات بالطبع، ولكن الشيء الذي يبعث على الاستغراب إنها لم تخفف منها أو تقلص من آثارها.
يوضح "أوليفيه هوك" أستاذ القانون البيئي بجامعة"تيولين" ذلك بقوله:"لقد كنا دائماً ولاية زراعية، وكان كل شيء يسير كما يرام بالنسبة للبيئة على الأقل، ولكن عندما بدأت المصالح النفطية تنتشر في كل مكان، تغير كل شيء وحلت ثقافة جديدة محل القديمة".
وصل إنتاج النفط والغاز في "لويزيانا"إلى ذروته في سبعينيات القرن الماضي، وعلى الرغم من أن العديد من الصناعات النفطية نقلت مكاتبها الرئيسية، إلى"هيوستون"، فإن المصافي، والمنشآت التصديرية الموجودة في الساحل، وشبكة أنابيب نقل النفط التي تمتد لآلاف الأميال، لا زالت جميعها تلعب دوراً في جعل نفوذ تلك الصناعات قويا للغاية في الولاية. ثم جاءت تطورات اكتشاف الغاز في الجزء الشمالي الأكثر فقرا في الولاية، ليزيد من ذلك النفوذ، وتجعله أقوى من ذي قبل.
لعل هذا في مجمله يفسر السبب في أنه، وعلى الرغم من حقيقة أن بقعة الزيت تهدد الكثير من مناحي النشاط في الولاية مثل السياحة، وصناعة صيد وتصنيع وتعليب الأسماك، وهما صناعتان رئيسيتان، فإن السياسيين المحليين استمروا في الحديث عن ضرورة استمرار عمليات الحفر البحري.
أحد هؤلاء الساسة هي السيناتور ماري لاندريو( ديمقراطية) ممثلة الولاية في مجلس الشيوخ، التي كتبت رسالة في يونيو الماضي إلى أوباما، تطلب منه رفع الحظر الذي فرضه على عمليات الحفر في المياه العميقة، وقالت"إن تعطيل 33 منصة حفر بحري في المياه العميقة، يعادل في تأثيره إغلاق 12 مصنعاً لتجميع السيارات، مرة واحدة".
ولم تكن"لاندريو" هي الوحيدة التي طالبت بذلك، بل طالب به أيضاً حاكم الولاية "بوبي جندال"(جمهوري) والسيناتو "ديفيد فيتر"(جمهوري)، اللذان دعيا لوضع نهاية لقرار منع الحفر في المياه العميقة على أساس أن وقف ذلك النشاط "يهدد الآلاف من أبناء لويزيانا بفقدان وظائفهم". وهذه الحجة نادراً ما حظيت بدعم الحزبين معاً. ففي استطلاع أعده مركز" راسموسين ريبورتس" لقياس الرأي الشهر الماضي، تبين أن 79 في المئة من سكان لويزيانا يؤيدون استمرار عمليات الحفر البحري، وهي نسبة تزيد كثيرا عن نسبة من يؤيدون ذلك على مستوى الولايات المتحدة كلها".
ولا شك أن بعض هؤلاء الذين أدلوا برأيهم في هذا الاستطلاع سيكونون من ضمن هؤلاء الذين سيخرجون للاحتفال بالذكرى 75 لانطلاق مهرجان "الجمبري والنفط" الذي يعقد سنوياً في الولاية، والذي سيقام هذا العام في "مورجان سيتي"، والذي يقول الموقع الرسمي للمهرجان على شبكة الإنترنت إنه"مناسبة تثبت أن الزيت والماء يمكن أن يختلطا".
الصناعة النفطية تلعب دوراً ضخماً في اقتصاد الولاية، لكن المداخيل التي تحققها قد تقلصت في السنوات الأخيرة مما جعلها تواجه مصاعب جمة لتعويض هذا النقص. ويقول "اتحاد ميد كونتيننت للنفط والغاز" إن صناعة النفط تجلب حالياً ما نسبته 13 في المئة من إجمالي مداخيل الولاية فقط، بينما وصلت تلك النسبة إلى 40 في المئة في ذروة الازدهار النفطي.
وعلى النقيض من بعض الدول النفطية مثل النرويج، التي تخصص 437 مليار دولار من حصيلة مبيعاتها من النفط لصناديق المعاشات والصناديق السيادية، فإن ولاية أريزونا لم تراكم أموالا كافية تستعين بها في السنوات العجاف.
ليس هذا فحسب، بل إن الولاية لم تنجح في تنويع اقتصادها حيث لا يوجد فيها على سبيل المثال"وادي سيليكون" ولا "ممر تقني" مثل ذلك الذي كان لدى ولاية "نورث فرجينيا". وفي تسعينيات القرن الماضي، وعندما أرادت الولاية تعويض مداخيل النفط المتناقصة، لم تجد من وسيلة أنجع من فرض ضرائب على القمار والمراهنات. وقد ساعد النفوذ الاقتصادي للصناعة النفطية على كسب ولاء المؤسسة السياسية فيها، وهو ما ساعد بدوره على دعم تلك الصناعة، وساعد الصناعة على دعم المؤسسة السياسية في المقابل.
والنفوذ الذي تمارسه الصناعة لم يقتصر على المؤسسة السياسية فحسب، بل امتد إلى النظام القضائي الذي حفل في السنوات الأخيرة بالكثير من مظاهر إساءة تطبيق العدالة، بسبب تدخلات المصالح النفطية الهائلة وتأثيرها على الهيئة القضائية .
بيد أن ذلك لا ينطبق على لويزيانا وحدها. فحسب البروفسور" جيفري دي. ساش" أستاذ الاقتصاد ورئيس معهد علوم الأرض التابع لجامعة "كولومبيا" فإن الولايات المتحدة بأسرها تعاني من كافة الأعراض التي تعاني منها الدول المصابة بـ"لعنة الموارد".
ويقول"ساش" ملمحا إلى التسرب النفطي في خليج المكسيك وتأثيره على البيئة باعتباره عرضاً واحداً فحسب من تلك الأعراض:"إننا نتحدث عن المصالح النفطية في دلتا النيجر كمثال عن الأضرار الهائلة التي يمكن أن تلحقها تلك المصالح بالبيئة، متغافلين عن أن هذا بالضبط هو ما نفعله نحن تجاه بيئتنا".
ستيفن مفسون
كاتب أميركي متخصص في قضايا الطاقة
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست"