البطالة الرسمية والتقاعد
في ظل ارتفاع مستوى متوسط الحياة في المجتمع الخليجي بسبب تطور الرعاية الصحية التي تقدمها الدولة لمواطنيها منذ لحظة الولادة وعلى مدى الحياة، بدأ البعض في المطالبة بإطالة سن التقاعد إلى السبعين عاما، وهو طلب منطقي يتناسب مع تقدم المستوى الصحي للمواطنين. لكن هناك من يغفل حقيقة العلاقة بين تنامي بطالة الخريجين، والتي تتزايد عاما بعد آخر، خاصة بين طلبة الدراسات الأدبية والدينية والنظرية. ولن نتطرق هنا إلى عجز الدول عن ترتيب الأولويات المهنية أو علاقة تنوع التخصصات ومتطلبات سوق العمل، فتلك قضية لم تفرض نفسها بحدة على الدول الخليجية بعد، وإن كانت قادمة في الطريق، بل سنتحدث عن العلاقة بين الدعوة لرفع سن التقاعد وتزايد عدد الخريجين الذين يجد أغلبهم طريقه إلى الوزارات كموظف "يعدد أياما، ويقبض راتبا"، دون أي فائدة إنتاجية حقيقية، ضمن عدة آلاف من الموظفين مكدسين بدون عمل حقيقي. ولا شك أن الحكومة تواجه سنويا مشكلة كيفية تعيين هؤلاء الخريجين، فتقوم بتعيينهم في أي وزارة حتى لا يضيعوا في الشارع.
ووفقا لمقترح المطالبة بإطالة سن التقاعد، فسنواجه عدم وجود شواغر وظيفية. ولو افترضنا أن الطالب المتخرج تم تعيينه عام 1974، فهذا يعني أنه من مواليد 1951 تقريبا، وبالتالي سيبقى في الوظيفة لغاية 2019 على الأقل! فماذا سنفعل بالأعداد الكبيرة من الخريجين الذين سيتخرجون وستضيق بهم مكاتب الوزارات؟ ومما لا خلاف عليه أن الدولة الخليجية لا تملك اليوم خطة واضحة حول معالجة هذه المشكلة. فمواجهة المشاكل في الخليج تعتمد على مرور الزمن الذي نعتقد أنه كفيل بحل كل المشاكل! سيقول البعض إن الوزارات بحاجة إلى خبراء. وهذه الخبرة لا تتحصل إلا بطول المدة في العمل، وهذا الكلام صحيح جزئيا، لكنه لا يستدعي كل هذا العدد من أصحاب الخبرة. لذلك لابد من تقليل سن التقاعد بالنسبة للموظفين العاديين، مع استثناء المهن النادرة مثل أساتذة الجامعة والأطباء والمدرسين والممرضين ومن تحتاجهم الدولة فعلا، ولا يمكن سد فراغ أعمالهم حال تقاعدهم، مع أفضلية في تقديم منح تقاعدية بعد كل ثلاثين عاما لتشجيعهم على الاستمرار في العمل.
لا شك أنه سؤال مشروع: ماذا سيفعل الموظف المتقاعد بعد سن الخمسين؟ هنا لابد من توفير حياة اجتماعية جديدة له، كما يفعل الأوروبيون؛ مثل توفير أندية اجتماعية تضم حمامات سباحة، وأنشطة رياضية، وخدمة صحية خاصة، وتوفير اشتراكات لدخول المتاحف والسينما، بل وحتى لتذاكر السفر. فالمتقاعد يجب أن لا يقضي وقته في القهوة الشعبية أو يضرب أخماسا بأسداس ينتظر هادم اللذات ومفرق الجماعات. كما يجب على الحكومة أن تساهم في تقديم محاضرات توعوية حول أهمية نوع الحياة الجديدة التي يجب على المتقاعد الاهتمام بها. كما يجب أن يشمل ذلك حياته الزوجية. فالزوجة -للأسف- تصبح جانباً مهملا في حياة زوجها المتقاعد، في حين أن عليهما البدء بحياة جديدة مشتركة.
المشكلة أننا تعتقد أن التقاعد يعني، "مت قاعدا"، بينما يراه الغربيون فرصة لتعويض ما فاتهم من متعة، فقد قضوا حياتهم في العمل الجاد، وحان وقت الراحة. وبالمقابل يعتبر العربي يوم العمل فرصة لقضاء الوقت في الدردشة وتناقل الأخبار، بينما ينتظر آلاف الشباب وبقلق دعوة الحكومة للعمل في الوظيفة.
ألم يحن إذن وقت إعادة النظر؟