الصوملة و"الهوبزية"
"الصوملة" مثل "اللبننة" أو "الفتنمة"، بمعنى جعل جميع أطراف الموضوع من أبناء الوطن الواحد. وفي الصومال الممزق يتقاتل كل إنسان مع كل إنسان، وحيث لا يجد الإنسان الأمن والسلام، وحيث لا يستطيع أي إنسان الاحتفاظ بما لديه إلا عن طريق القوة. في المقابل تمثل "الهوبزية" مصطلحاً متناسباً مع الوضع القاتم والقائم في الصومال. ولمن لا يعلم، تُنسب "الهوبزية" إلى المفكر والفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز (في القرنين 16 و17) الذي "اخترع" نظرية العقد الاجتماعي لتفسير الأساس الدنيوي لنشوء الدولة أو السلطة المدنية، بعد سقوط الكنيسة في مواجهة الدولة العلمانية التي استطاعت بفضل المفكرين المتنورين أن تنتصر على الكنيسة. وإلى هوبز وغيره من المفكرين يعود الفضل لتبني مبدأ سيادة الأمة الموجود في الدساتير الحديثة. يقول هوبز ما مفاده، وباختصار شديد، أن الإنسان في حالة الفطرة حين لا يعود يعيش "الحالة الاجتماعية" التي تؤسس للدولة، يضطر للعيش في حالة حرب مع كل إنسان، لأن هذه الفترة يتساوى فيها الناس في الآمال، والرغبة في المنافسة للحصول على السلطة. وفي هذه الفترة يرى هوبز أنه من المستحيل إنهاء هذه الحالة إلا إذا تمكن العقل الإنساني من السعي لإنهاء هذه الحالة من خلال "عقد اجتماعي" يخرج الإنسان من حالة "ما قبل الاجتماعية" إلى "الحالة الاجتماعية". وبذلك تنطبق النظرية الهوبزية لحال الإنسان في مرحلة "ما قبل الاجتماعية" بما يكتنفها من صراع وتهديد دائم للحياة الإنسانية، مع الواقع الصومالي القائم اليوم في هذا البلد المنكوب، الذي يسعى فيه كل طرف إلى تدمير الطرف الآخر، وحيث لا توجد حكومة عاملة من أجل استقرار وأمن وسعادة الإنسان الصومالي. ومن الواضح أن المنافسة والحب الشره للسلطة من أسباب ديمومة الصراع الوحشي، وسيادة العنف وانتشار الأمية والجوع والفقر، وغير ذلك من مصائب ومعاناة يعيشها الشعب الصومالي، الذي يعيش وضعاً أسوأ من الفلسطينيين الذين يتعرضون للوحشية الإسرائيلية من خلال الحصار المدمر للحياة.
لماذا تحدث كل هذه المآسي في الصومال؟ لأنه، وفقاً لهوبز لم يتمكن الإنسان الصومالي إلى الآن من استيعاب أهمية اللجوء إلى العقل لتأسيس مجتمع مدني بهدف إقامة الدولة. ومن الواضح أن الصراع على السلطة أصبح هدفاً بحد ذاته، حتى بالنسبة لمن يدعي إقامة حكومة إسلامية على جثث الصوماليين وجوعهم وبؤسهم، خلافاً لما تقتضيه الشريعة الإسلامية، وكأن هؤلاء "الإسلاميين" لم يقرأوا قوله تعالى، "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما..."!! المهم أن "العقل" هو العنصر المفقود في العلاقة بين الجماعات الصومالية المتحاربة من أجل السلطة، والمعرضة جميع الصوماليين، خاصة النساء والأطفال، إلى الهلاك جوعاً ومرضاً وقتلا. وبالتالي ستستمر "الهوبزية" ما دام الصوماليون غير راغبين في اللجوء للعقل لحل المشاكل العالقة بينهم. ومما يقرره الفيلسوف الإنجليزي أن حالة "ما قبل الاجتماعية" ستستمر ما دام هدف كل إنسان في هذه المرحلة أن يقتل كل إنسان لكي يضمن الأمن الشخصي وما يحصل عليه من غنائم أو مقتنيات مادية. وبسبب هذا الوضع غير العقلاني نجد أن العرب عاجزون عن اتخاذ أي خطوة لتحقيق السلام في الصومال، ليس بسبب صعوبة المشكلة، بل ولأن الصوماليين لا يريدون، برغبتهم الطوعية التخلي عن حالة "ما قبل الاجتماعية" التي لا تحتاج سوى القوة بعد القوة واستبعاد العقل عن الحياة.