أزمة الأكراد
رغم المجهود الدولي الكثيف لإقناع تركيا بالعدول عن نيتها اقتحام الحدود العراقية لملاحقة أنصار "حزب العمال" الكردستاني، فقد برزت أزمة جديدة كتبت عنها جريدة "نيويورك تايمز" الأميركية، وتتعلق بهجوم جديد نفذته العصابات الثورية الكردية الإيرانية ضد مجموعة من الجنود الإيرانيين، ويطمح الأكراد الإيرانيون مثل إخوتهم في العراق إلى إقامة دولة كردية مستقلة.
استمرار حرب الأكراد العبثية، والتي مضى عليها أكثر من 23 عاماً ضد تركيا، ومقتل 37 ألف شخص وتدمير المئات بل الآلاف من القرى الكردية، لم يؤد إلى أي نتائج ملموسة لمصلحة الأكراد. الدول التي يتواجد فيها الأكراد وهي تركيا والعراق وسوريا وإيران، ترفض كلها رفضاً تاماً قيام دولة كردية مستقلة على أراضيها؛ فالعراق كان الدولة الوحيدة التي أعطت الأكراد حكماً ذاتياً في مناطقهم قبل تغيير النظام العراقي السابق، ومع ذلك اختلف الأكراد فيما بينهم حول من يحكم الإقليم وتحديد مناطق النفوذ، ولولا التدخل الأميركي في شمال العراق عام 1995 لشبت حرب أهلية.
بعد سقوط نظام صدام حسين، أصبحت منطقة كردستان من أكثر المناطق العراقية استقراراً وهدوءاً... وقد تكالبت الشركات والمؤسسات الاستثمارية الدولية للاستثمار في شمال العراق. لقد استبرشنا خيراً بوجود منطقة آمنة وهادئة في العراق يلجأ إليها كل من يريد الأمن والاستقرار هرباً من الحرب الأهلية في بغداد والجنوب.
لكن استمرار النزعة الاستقلالية القومية لدى بعض القيادات والأحزاب الكردية، دفعتهم لتبني سياسات غير رشيدة باستمرار حرب العصابات ضد تركيا، هذا الحماس القومي دفع بعض القوى السياسية الكردية لدعم أبناء عمومتهم في "حزب العمال" الكردستاني. الرئيس العراقي جلال الطالباني دافع عن الأكراد الأتراك وأعلن أنه يؤمن بطريق الحوار والحل السلمي وإبعاد العنف عن معالجة القضية، وأضاف: نحن نطالب بحرية العمل السياسي وحرية الهوية والثقافة حسب المواثيق الدولية وحقوق الإنسان، ونطالب بأن يعترف الجانب التركي بالحقوق الكردية.
رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني رفض وصف "حزب العمال" بأنه منظمة إرهابية، وطالب تركيا بإعطائهم فرصة العمل السياسي في تركيا... لقد تلقى "حزب العمال" الكردستاني ضربة قوية من تركيا عام 1999 عندما تم اعتقال الزعيم الكردي لـ"حزب العمال" عبدالله أوجلان، بعدها أعلن الحزب هدنة مع تركيا مدتها خمس سنوات، وطالب تركيا بحرية العمل السياسي وإعطاء الأكراد الأتراك الذين يبلغ عددهم 15 مليون نسمة، حقوقاً ثقافية أكثر... وقد استأنف الحزب عملياته العسكرية في عام 2004.
إن تجدد القتال على الجبهتين: الإيرانية والتركية، ليس في مصلحة الأكراد الذين يحتاجون اليوم إلى إعادة بناء مناطقهم وقراهم وتحسين الوضع المعيشي للشعب الكردي، فإشعال العمل المسلح ضد تركيا أو إيران لا يصب في مصلحتهم... لأنه لا أحد اليوم لديه الاستعداد لدعم الإرهاب ضد الناس الآمنين، سواء باسم الاستقلال أو التضامن القومي.
بل المطلوب حالياً من المجتمع الدولي ومن دول الجوار العراقي، التدخل لوقف الحرب العبثية القادمة... فلا أحد يستفيد من استنزاف الأموال والطاقات البشرية في كردستان سوى العصابات الإرهابية التي تتاجر بالشعارات لتحقيق مصالح قياداتها على حساب الشعوب المظلومة.