لا يمكن الاستمرار طويلاً في التدابير المتشددة والأقل مرونةً، في مواجهة سرعة تفشي فيروس كورونا المستجد؛ المسبّب لوباء «كوفيد- 19»، حول العالم، مهما استشرس المرض في الإيقاع بأرقام عالية من الضحايا، ومهما ازداد المشهد العلمي غموضاً في محاولة فهم سلوك العدو الجديد، وبطئاً في تطوير اللقاح المناسب لموجته الأولى، مع بقاء الاحتمالات مفتوحة، في قدرته على معاودة هجوم أكثر اتساعاً وعنفاً، الشتاء المقبل.
كل ما يحدث، لا يعدو أنّ يكون توقعات، تأسست على تاريخ الأوبئة، وعلى تقدم طفيف في معرفة كيف يتصرف الفيروس، وينتشر، وينقل العدوى. وغالباً، ما يختم العلماء والأطباء تحليلاتهم وقراءاتهم للنشاط الفيروسي الجديد، بجملة «حتى الآن»، لتتبعها نصائح متحفظة للسياسيين والناس، رداً على الأسئلة الشائعة عالمياً: «إلى متى تسير الحياة على هذا النحو»، و«متى تدور عجلة الاقتصاد مجدداً»، و«هل يعني استمرار الإغلاقات الراهنة أنّ الناجين من كورونا، مجبرون على مواجهة العوز، وربما المجاعات» في كثير من الدول الفقيرة تحديداً؟
«حتى الآن»؛ تعبير تكتنفه المخاوف، ويفرضه المنهج العلمي في التعاطي مع الأوبئة، لكنها ليست العبارة الملائمة للقيادات السياسية والاقتصادية والمجتمعات، تحت الضغوط المعيشية المباشرة، والهلع من فقدان الوظائف، والأضرار العميقة التي لحقت بنية الأعمال الصغيرة والمتوسطة. الأمم المتحدة تقدر أنّ نحو 25 مليون وظيفة ستفقدها الأسواق العالمية، بسبب الوباء، مع اضطرار الدول إلى تقديم جهود المكافحة على وقف حدة النزيف المتزايد في الاقتصادات، على اختلاف أحجامها.
الربع الأول من هذا العام، ربما تمتص تداعياته إجراءات التحفيز، والتبرعات، والمساعدات المباشرة، لذوي الدخول المتدنية، وإعانات البطالة، لكن هذه المصادر معرضة للنضوب، ولا بد من خطط أكثر واقعية، فكثير من البشر من آسيا وأوروبا إلى أميركا، بات عليهم أنّ يكافحوا لسد رمقهم اليومي، خصوصاً الكتلة الضخمة من عمال الساعة، وأصحاب الأجور المتدنية، والمزارعين، وغيرهم.
الجداول الزمنية التي وضعتها الدول، لوقف الحظر والإغلاقات، والعودة إلى ما كان عليه الوضع في ديسمبر الماضي كلها تغيرت. الواقع، أنّ الرجوع إلى ذلك التاريخ، بات أشبه بالمستحيل، على الأقل في غضون السنوات الثلاث المقبلة، كما يتوقع خبراء الاقتصاد. قليل من الدول خفّفت من التدابير، وأعادت قطاعات معينة إلى العمل، ولجأت إلى ما يعرفه العلماء «حتى الآن» من أساليب الوقاية، وتزايدت سيطرة الأخبار المتعلقة بانعكاسات مكافحة الوباء على الاقتصادات الوطنية، ومساسها المباشر بالأمن المعيشي لمليارات البشر، بينما حذّر «برنامج الغذاء العالمي» من شبح المجاعة في غير دولة نامية، وفي مقدمتها أفريقيا.
والحال، أنّ دولاً كثيرة، تتطلع إلى الولايات المتحدة، الدولة الأكثر تضرراً من الوباء، فيما تخطى عدد وفياتها حاجز الـ 23 ألفاً، وقد أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الاثنين الماضي، أنّ ثمة موعداً قريباً لفتح البلاد، وإعادة تدوير عجلة الاقتصاد الأكبر في العالم، ويشمل ذلك الطيران، مع أنّ النظام السياسي في هذا البلد، يترك التقدير لحكام الولايات، وبعضهم، بدأ بالفعل خطوات حذرة ومدروسة لتشغيل قطاعات حيوية في ولاياتهم.
وبين نهاية أبريل الحالي، ويونيو المقبل، تدور التوقعات حول مسارات جديدة، لإنعاش الاقتصادات في دول العالم، والتعامل مع الوباء، يوماً بيوم، على قاعدة التشغيل التدريجي لمفاصل الاقتصاد. بعضها تدفعه رهانات بهدنة قصيرة، يفرضها ارتفاع درجات الحرارة صيفاً، ريثما يلتقط العالم أنفاسه، ويكون العلم قد قطع شوطاً نحو تطوير اللقاح، وبعضها الآخر، استسلم لفكرةٍ تحشدُ مزيداً من العلماء، بأن الفيروس المستجد شرٌّ لا بدّ منه، وأنه سيبقى معنا على الكرة الأرضية إلى أنّ نصل إلى اللقاح الفعال، وتالياً، لا بدّ من الحياة، مهما بلغت الأكلاف.
لا إفراط في أي تفاؤل. لا يزال العدو نشطاً وغامضاً، والحرب ضد «كوفيد- 19» مستمرة عالمياً، على محاور عدة: مراكز مكافحة الأوبئة، مختبرات الجامعات، الاقتصاد، وثقافة إنسانية جديدة، تفرز سلوكيات غريزية للبقاء. فالعالم لن ينكفئ على ذاته في مساحات مغلقة، وعليه أن يخوض هذه الحرب المفتوحة، إلى أن يمتلك أسلحتها كاملة، ويكتب للبشرية نجاة أخرى.
* صحفي أردني