تدرك القيادة السياسية الصينية حجم ما لحق بالعملاق الآسيوي من أضرار وطنياً ودولياً، جراء انتشار فيروس كورونا المستجد. وتمثل مسارعة الحزب في تغذية النزعة الاستهلاكية لدى الفرد الصيني إحدى أدوات احتواء ذلك، من خلال رفع الحظر عن مركز الوباء (مدينة ووهان)، بالإضافة لإعادة فتح دور السينما، وإطلاق نسخ محسنة من أفلام مثل سيد الخواتم وغيرها من أفلام الإثارة والتشويق الحديثة والكلاسيكية.
تلك الآلية، بالإضافة إلى تخفيف القيود المفروضة على الانتقال والعمل هدفها احتواء الأضرار وطنياً نتيجة تصاعد مستوى السخط الدولي اجتماعياً، قبل أن يكون سياسياً لما بات يعتبره الجميع «جائحةً صينية». أمر تقدير الأضرار الناتجة عن الأزمات يشترط الشفافية المطلقة لكي تصل القيادة السياسية في أي دولة إلى الاستنتاجات التي ستقود بدورها إلى برامج علاجية للأزمة، ولا شك أن القيادة الصينية تدرك ذلك.
ويذكرنا التاريخ السياسي كيف تحول الاتحاد السوفييتي من أكبر منتج للحبوب إلى أكبر مستوردٍ لها، نتيجة تقديم وزارة الزراعة لما يرغب في سماعه أعضاء اللجنة المركزية العليا في الحزب الشيوعي. فاعتمد الروس حينها على أدواتٍ ثقافية من الباليه إلى الشطرنج في تسجيل حضورهم الإنساني، إلا أنهم فشلوا في تحقيق الاختراقات المتناسبة وحجمهم السياسي لأن تلك الأدوات كانت نخبوية وليست شعبية.
عودة هونغ كونغ للحضن الصيني عام 1997 كانت أقرب للاستحواذ السياسي من دون المساس بأطر الإدارة المحلية، وإن بقي الحزب في خلفية المشهد من دون الحاجة للتلويح بعصا غليظة. ذلك ما أوصى به الراحل العظيم «لي كوان يو»-، زعيم ومؤسس سنغافورة- القيادة الصينية، بعد أن عينته مستشارها الخاص في عملية عودة هونغ كونغ للصين. الخطة التي أقنع بها« لي كوان يو» القيادة الصينية، قامت على مبدأ الاستحواذ لا الحيازة القسرية للأصل، أي إبقاء الأنموذج الناجح والبناء على نجاحاته، واستخدام ذلك في أنسنة النظام القائم في بكين سياسياً.
«لي كوان يو» أراد أن تكون هونغ كونغ بوابة الصين إلى العالم وليس العكس، وقد نجح ذلك بشكلٍ كبير، وتزامن مع تحرير القيود الداخلية على الأفراد في ممارسة التجارة والصناعة، بل نجحت بعض النماذج السينمائية في استقطاب اهتمام المُشاهد الدولي.
إدراك الحاجة إلى القوة الناعمة قد يكون التحدي الأكبر لبكين الآن، ومراجعة ما مرت به الصين، وخصوصاً إنقاذ الحزب على يد «دنغ هسياو بنغ» نتيجة الثورة الثقافية، وكذلك عودة هونغ كونغ، والتي وضع أسسها «لي كوان يو»، واستخلاص الدروس من التاريخ الوطني؛ جميعها هو ما يجب أن تعكف عليه الصين إن أرادت احتواء الآثار السياسية السلبية التي لحقت بها جراء ظهور فيروس كورونا المستجد.
على هامش أحد المؤتمرات الكبرى، كان لي حوار مع إحدى الشخصيات الصينية المختصة في البحث السياسي الاجتماعي، والذي كان أحد المتحدثين في إحدى الجلسات الرئيسة للمؤتمر، وتناول الحديث رؤية الصين خارج منظور «استراتيجية الطوق والطريق»، وما إذا كانت تملك القدرة على أو الرغبة في تطوير أدوات جديدة بعد استبدالها الزي الماوي شكلياً. كان رد ذلك المحاور: «نأمل أن يحدث ذلك، ونحن نقوم بتذكير القيادة السياسية بضرورة ذلك كلما سنحت الفرصة». ربما قد حان الوقت لتنفتح كل قيادات العالم السياسية على آراء من خارج الصندوق السياسي.
*كاتب بحريني