هناك التزام سياسي ومجتمعي عالمي لتغيير مسار فيروس كورونا، وهناك إجراءات دفاعية وهجومية ضده. وأضحت عبارة «ابقوا في منازلكم» العلاج الواقي لملايين البشر في مختلف أنحاء العالم. وفي ظل هذا الوباء العالمي القاتل، ثمة جوانب بدأت أو ستبدأ في تغيير الإنسان والمجتمعات والدول والأنظمة الإقليمية والعالمية، سألخصها في عشر نقاط:
- هذا الوباء بدأ يذّكر الجميع بضعف الإنسان (وخلق الإنسان ضعيفاً)، وبأننا جميعاً مترابطون، فما يصيب أحدنا يصيب الآخرين، وبأن الحدود الجغرافية التي ندرسها لأطفالنا ولطلبتنا كلها صورية، فالفيروس ينتقل بسرعة البرق بين الدول والقارات دونما حاجة لتأشيرات ولا حتى لجوازات سفر.
-الجميع سواسية، ولا معنى لتفريق استناداً إلى الجنس أو اللون أو القوة أو المال أو الجاه أو غيرها من معايير عمدت الديانات التوحيدية كلها إلى إلغائها وتأكيد المساواة بين البشر في الحقوق الإنسانية، حيث حصرت معيار التفاضل بينهم في التقوى فقط، وهو معيار ارتقاء وتقدم. وقد اتضح أن فيروس كورونا يعامل الجميع بالطريقة نفسها، ولا يعرف استثناءات عمرية ولا طبقية.
- في رسالة جميلة وجهها الميلياردير الأميركي بيل غيتس إلى العالم عن هذا الفيروس، قال إنه لا يراه على شكل كارثة، وإنما كمصصح روحي «spiritual» لإصلاح ما أعوج في المسيرة الإنسانية والحضارية للبشر. ولَعَمري فإن القرآن الكريم عامر بآيات بيّنات كثيرة تشرح حقيقة الكون كما خلقه الله: «ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ»،«أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ».
- يذكرنا فيروس كورونا المستجد بأن الحياة قصيرة للجميع، وبأنها مزرعة لدار البقاء، وأن الحكيم هو من يقضي أيامه المحسوبة في العمل الجاد، وفعل الخير والتآزر والتعاون المشترك.
- يذكرنا هذا الفيروس بدور العائلة وبضرورة إعطاء كثير من أوقاتنا للأولاد، وكم نحن تهاونا كثيراً في هذا الجانب.
- يذكرنا هذا الفيروس بأن بيتنا الكبير يحترق جراء موجات التلوث والتغير المناخي، حيث بدأ العلماء منذ سنوات يؤكدون بالمعطيات العلمية أن أي زيادة في درجات الحرارة بالكرة الأرضية، عن النسبة الأصلية، ستهلك الحرث والنسل. وقد جاء الفيروس كتحذير من تنصل الدول من المسؤوليات القانونية التي أخذتها على عاتقها، وكدعوة لضرورة امتلاك وتعميم تكنولوجيا الطاقات المتجددة لتقليل انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، وهذه مسؤولية الأفراد والمجتمعات.
- البشر أضحوا ماديين، وأصبحت المادة تطغى على كل شيء في ظل عولمة لا ترحم إلا الأقوياء ولا تتعامل إلا مع الماديين، مما يجعل سلوك الإنسان أكثر تنافسية وخداعاً وأنانية في تعاملاته مع الآخرين، بالإضافة إلى افتقاره للتعاطف تجاه مَن حوله.
- إن الصحة تاج على رؤوس العقلاء (إذا سألتم الله فاسألوه العافية)، وكم أهملنا هذا الجانب بتناول كثير من المأكولات غير الطيبة والمياه غير النظيفة، وكل هذا من عمل البشر.
- النظام العالمي مريض وأناني، والدولة القومية في أزمة، والمرحلة المقبلة سيتغير فيها كل شيء بدءاً من أسس هذا النظام وأولويات الدولة القومية بما في ذلك الاستثمار في الصحة والعلاقات الاجتماعية الجديدة.
- يذكرنا فيروس كورونا بالآية الكريمة: «فإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا»، وبقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «اصبروا فلا يهزم عسر يسرين».
وفي الختام، فإن كل هذا يوحي ببداية جدية؛ فإما أن نبني حياة تتماشى والسبب الذي من أجله خُلقنا، أي عبادة الخالق وإعمار الأرض والتعايش فيما بيننا، وإما أن نحكم على أنفسنا بالويلات والمصائب.
*أكاديمي مغربي