«هل هذا هو الوقت المناسب لشراء منزل»؟. تتساءل صحيفة «نيويورك تايمز» في تقرير إخباري، يكتظ بالمعلومات والأرقام وآراء الخبراء. وهي تصدر في مركز ولاية أميركية، تشهد رعباً حقيقياً، حيث يعيش عشرات الملايين من البشر في العزل الصحي، وتتصاعد كارثيّاً أرقام الإصابات والوفيات بفيروس كورونا المستجد، ما استدعى أقصى الإجراءات الاستثنائية، وأشدها قسوة في الولاية «الديمقراطية»، موطن المال والأعمال، والشركات الرأسمالية العملاقة.
طبعاً، وكما هو حال الصحافة المستقلة، لا يشجع تقرير «نيويورك تايمز» الناس على شراء العقارات، بينما يُنذر كورونا بالكساد الأكبر في تاريخ البشرية، وتواصل أسواق المال الغرق في الخسائر، ويقبع الناس في منازلهم، وأقصى ما يريدونه الآن تدبير الطعام، ووسائل التعقيم، والمناديل الصحية.
كذلك، لا يشيع التقرير التشاؤم بمستقبل السوق العقارية، بالقدر الذي يضع فيه المعلومات والأرقام في خدمة القارئ، وقطعاً، فإن الصحيفة لا تأبه لرأي حاكم الولاية أندرو كومو، ولا تتوقع منه اتصالاً، يعتبر فيه أن القصة الإخبارية سلبية، وضارة باقتصاد الولاية، ثمّ إن الرجل أثار غضب رئيسه دونالد ترامب، بسبب وضوحه الشديد تجاه مآلات العدوى.
أندرو كومو، الشخصية السياسية الأكثر حضوراً في الإعلام الأميركي هذه الأيام، يعرف أن إخفاء المعلومات والتحليلات المتعلقة بـ«كوفيد19»، أو التقليل من شأنها جريمة تؤدي إلى سلسلة طويلة من الموتى. وآخر ما يفكر فيه سلاسل الشركات الكبرى، التي شكّلت جوهر العولمة وعنوانها في الولاية التي يحكمها. وأقرب من ذلك، ثمة قوانين دستورية، تعتبر المعلومات حقاً مقدساً للأميركيين، ولا يعني شيئاً أن الولايات المتحدة كلها تحت الطوارئ، فالأولوية المطلقة لنجاة الناس.
«هل هذا هو الوقت المناسب لشراء منزل» في نيويورك، حيث شلّ الفيروس المرعب مشهد العاصمة الاقتصادية، وبدت ساحة «تايمز سكوير» خالية من البشر والسيارات والصخب؟ لعلّ السؤال في الإعلام العربي: «هل هذا هو الوقت المناسب، لتنشر الصحافة تقريراً ضاراً بالسوق العقارية؟». أو ربما ذلك الاتهام المعلب للصحافة بـ«الإساءة إلى الاقتصادات الوطنية»، ومثل ذلك كثير، مما تكتظ به قوانين الطباعة والنشر في العالم العربي.
ربما، كارثة كورونا «مفيدة» من ناحية أخرى لنا، نحن العرب. فهي تنطوي على تحذير دقيق بخطورة التعتيم الإعلامي، وإعاقة انسيابية المعلومات، تحت تلك الشعارات الإنشائية التقليدية، أو الذرائع الأمنية إياها، وقد كان لافتاً أن البلدان العربية، التي انتهجت الشفافية الإعلامية، نجحت في الحد من انتشار الفيروس، إلى حدّ كبير.
هذه هي الحال الآن. كلما ارتفع مستوى الشفافية، أصبحت فرصة النجاة أفضل. وإلى جانب ذلك، فإن حق الناس في المعلومات بكل ما يتصل بشؤون حياتهم يجب أن يكون أساسياً، مثلما هو الحال في الإعلان عن تطورات الوباء، وهذا ينسحب على مجمل النشاط الاقتصادي والإنساني، فلا جدوى من إخفاء واقع العقار والسياحة وتجارة التجزئة والأعمال الصغيرة والمتوسطة، وكذلك أرقام الفقر والبطالة، والانهيارات في سوق الوظائف، وغير ذلك من توابع هذا الزلزال الكبير.
تلقننا الأزمات دروساً لا نعرفها في الهدوء والرخاء. الإعلام العربي الرسمي، برمته، سيجد نفسه بعد انحسار الوباء، مطالباً بالتخلي عن لغته القديمة. حجم الأضرار لن يكون بسيطاً، ولا يمكن إخفاؤه. وسائل التواصل الاجتماعي في الرصد والمرصاد تماماً. المتضررون سيعرضون قصصاً عن حياتهم وأعمالهم في البلدان الغنية والفقيرة. سيكون ثمن تجاهل ذلك باهظاً، فالاقتصاد العربي، مثلاً، لن يتعافى بعد «كوفيد19» إلا بالإعلان أولاً عن إصاباته العديدة.
لعلّ في هذه المحنة فرصة لا تعوّض، لينجو الإعلام العربي من أمراضٍ مزمنة، أشدها فتكاً «فوبيا المعلومات»!.
*صحفي أردني