لا يزال مرض فيروس كورونا غير مرئي طبياً حتى نتمكن من هزيمته. لكن آثاره تظهر للعيان وتواصل انتشارها، مع اقتراب عدد الإصابات عالمياً من 300.000 حالة، وقد تجاوز عدد الوفيات جراء الفيروس في إيطاليا نظيره في الصين التي هي من حيث عدد السكان حوالي 22 ضعف حجم إيطاليا.
ومع ذلك فإن الأصعب أكثر فأكثر هو عملية العزل الاجتماعي على مستوى العالم، من قبيل التوسع في ممارسة حظر التجول مع إغلاق مراكز الشراء والعديد من مراكز الوجود الاجتماعي، بما فيها المطاعم والمقاهي.
تحاول السلطات العمومية في كل الدول مواجهة انتشار الفيروس وحماية مواطنيها منه، لكن كما قال لي أحد البسطاء هنا في مصر، فإنه قد يمكن إنقاذنا طبياً، لكن هل يكون الثمن في النهاية ضربة قاتلة اقتصادياً واجتماعياً؟
إحصائيات هيئات الأمم المتحدة تؤكد هذه المخاوف، ففي آخر تقرير تقول منظمة العمل الدولية: إن مستوى البطالة هذا العام سيرتفع بحوالي 24.7 مليون، من ضمنهم 1.7 مليون في منطقة الشرق الأوسط. كما أن الكساد الاقتصادي يدق الأبواب، حيث تصل نسبة فقدان الدخل حوالي 840 مليار دولار، وقد ترتفع إلى أربعة أضعاف هذا التقدير، أي أكثر من ثلاثة تريليونات دولار، إذا استمر كورونا دون رادع.
وتتصدر الخسارة شركات الطيران التي تفقد عالمياً حوالي 200 مليار دولار، بما فيها الشركات العاملة في الشرق الأوسط التي فقدت بالفعل حوالي 7 مليارات دولار. بل تقول اللجنة الاقتصادية لغرب آسيا التابعة للأمم المتحدة إن خسائر الدخل في المنطقة العربية ستصل إلى 840 مليار دولار في سنة 2020، وهذا بالطبع تقدير مبدئي.
وتستطيع الدول الغنية في العالم الاعتماد على رصيدها المالي لمواجهة هذه الأزمة حتى تخف حدتها، لكن لا ينطبق هذا على الدول الفقيرة، وبعضها يعتمد على عائدات رعاياها المغتربين في مواجهة مشاكلها الاقتصادية من تفاقم مشكلة البطالة إلى أزمات النقد الأجنبي.
وتتصدر منطقة جنوب آسيا الاعتماد على تحويلات رعاياها المغتربين، حيث تصل النسبة المئوية من الدخل القومي الإجمالي 3.8%، تليها أفريقيا جنوب الصحراء بنسبة 2.8%، ثم المنطقة العربية بـ2.8%. كما تختلف حظوظ الدول أيضاً في هذا الاعتماد على العائدات، وتصل مثلاً في لبنان إلى 12.3% من الدخل القومي، وفي الأردن إلى 10.6%، وفي مصر إلى 10.2%.
وكما نعلم، فإن تلك التحويلات تعتمد في الجزء الأكبر منها على سعر البترول ونشاط أسواقه، والتي تتأثر قطعاً بالأزمة الاقتصادية التي يشهدها العالم حالياً، وأوضح أمثلتها توقف حركات الطيران العالمية، وتدهور الإنتاج والتجارة العالمية، وازدياد احتمالات كساد اقتصادي عالمي ذي آثار اجتماعية أكثر انتشاراً، وقد تكون أخطر وأطول أمدى من فيروس كورونا نفسه.
طبياً، نحرز بعض التقدم مع زيادة أعداد الحالات السلبية، وكذلك حالات الشفاء، وتؤكد الأبحاث الطبية علاجات واعدة، وأننا في الطريق لاكتشاف مصل يعالج هذا المرض، إن لم يكن غداً، فبعد غد أو الأسبوع القادم.
لذلك ما يجب عمله الآن، هو التركيز على الشلل الاقتصادي والعزل الاجتماعي الذي يتزايد في العالم، ومعرفة أن القرارات التي نتخذها حالياً قد تكون قرارات طوارئ، لكن بالتأكيد ستستمر تداعياتها إلى أبعد بكثير من حالة الطوارئ التي يعيشها العالم في اللحظة الراهنة. وفي مقدمة الإجراءات المطلوبة الاستمرار في تبادل المعلومات والتنسيق على المستوى العالمي، وليس محاولة العمل دون تنسيق مع البقية، كما حاول الرئيس ترامب أن يفعل في البداية.
مشكلة كورونا حالياً لا تخص دولة واحدة، بل هي مشكلة عالمية ومواجهتها طبياً عالمية أيضاً، وكذلك يجب أن تكون مواجهة تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية.. وهذه بداية المخرج.
أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأميركية -القاهرة