مثّل خروج مايك بلومبيرج من السباق الرئاسي، الأسبوع الماضي، تذكيراً آخر بأن المال ليس كل شيء في السياسة. لكن فشل محاولة بلومبيرج الوصول إلى البيت الأبيض، وفشل توم ستيار، وهو مرشح ملياردير آخر أنفق قرابة 270 مليون دولار، ليس دليلاً على أن المال ليس مهماً. وحقيقة أن كليهما كانت لديه فرصة في الوصول إلى أعلى منصب في البلاد، تُظهر كيف أضحت الثروة الخاصة الكبيرة جداً مهمة في حملاتنا السياسية. على أنهما مجرد مثالين حيث قوة «المال الكبير» أوضح من أن تخطئها العين. وفي الأثناء، يؤثّر مليارديرات آخرون في السباق على البيت الأبيض والكونجرس، غالباً من خلال «لجان العمل السياسي الكبيرة»، المشهورة أكثر بالـ«سوبر باكس»، ومجموعات «المال المظلم» التي تجعل من الصعب رؤية تأثيرها. وعليه، باتت الحاجة اليوم إلى نظام مختلف، ليس أسير أهواء ونزوات الأثرياء، أقوى وأوضح من أي وقت مضى.
انضمام بلومبيرج المتأخر إلى السباق الرئاسي جعل قوته المالية تبدو مزعجة بشكل خاص. فحتى من دون دعم سابق، استطاع بلومبيرج إطلاق حملة قوية في أواخر نوفمبر، متجاوزاً منافسين يفتقرون إلى إمكانيات مماثلة، لكنهم بدأوا الحملة الانتخابية منذ أشهر، وربما أمضوا حيواتهم المهنية في الخدمة العامة.
وخلال الشهرين التاليين، أنفق بلومبيرج قرابة 500 مليون دولار على الإعلانات، بما في ذلك حملة واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي. ذاك الإنفاق ساعد على دعم صعود سريع في استطلاعات الرأي وتأمين مكان في المناظرات الديمقراطية في 19 فبراير. ومع أن أداءه هناك انتُقد على نطاق واسع، فإن بلومبيرج استطاع الحلول في المرتبة الثالثة من حيث مجموع المندوبين في الانتخابات التمهيدية عامة.
مثال بلومبيرج قد يكون مثالاً متطرفاً، لكنه ليس فريداً من نوعه. وفي الانتخابات المحلية وانتخابات الولايات وانتخابات الكونجرس، حيث توجد تغطية إعلامية أقل حرية بكثير، تُعد القدرة على التمويل الذاتي، على الأقل خلال المراحل الأولى من الحملة الانتخابية، أساسيةً في أكثر الأحيان.
والواقع أن الوصول إلى المانحين الرئيسيين – سواء الرعاة أو المرشحين أنفسهم- يُعد عاملاً حاسماً في تحديد من يستطيع الترشح للمنصب، وفي أحيان كثيرة، الفوز. ففي ما عدا استثناءات قليلة، فإن كل مرشح لمنصب فيدرالي، من المتنافسين البارزين على الرئاسة إلى أعضاء الكونجرس الذين يُنتخبون أول مرة، يعتمد إما على ثروة شخصية أو على دعم الداعمين الأثرياء. كما يعتمد كثيرون الآن على مجموعات خارجية مثل «لجان العمل السياسي الكبيرة» التي تستطيع جمع وإنفاق أموال لا حدود لها، بفضل سابقة «يونايتد سيتيزنز» («مواطنون متحدون») وقضايا أخرى.
بيد أن صعود مجموعات خارجية قوية أكثر إزعاجاً، من وجهة نظر «ديمقراطية»، من المليارديرات الذين يموّلون حملاتهم الخاصة، وذلك لأن هذه المنظمات تخفي حقيقة من يحرّك خيوطها. هذه المنظمات، التي تُعد مستقلة نظرياً عن المرشحين وكثيراً ما تقدَّم على أنها منظمات غير ربحية تدافع عن قضية معينة، لدى معظمها علاقات وثيقة بالساسة الذين تدعمهم، وتوفر إمكانية وصول خاصة لأكبر مانحيها. وعلى سبيل المثال، ففي حفل لجمع التبرعات لفائدة إحدى لجان الـ«سوبر باكس» حضره الرئيس دونالد ترامب في 2018 بفندقه «واشنطن هوتيل»، صوِّر مانحون تبرعوا بمليون دولار أو أكثر وهم يقدّمون له طلبات للحصول على خدمات حكومية كمقابل. وكان من بينهم ملياردير كندي يسعى للتأثير على سياسة الولايات المتحدة التجارية.
هذه المجموعات الخارجية ساعدت المانحين الأغنى في الهيمنة على الانتخابات الفيدرالية في السنوات الأخيرة. والكثير من هذه الأموال تذهب إلى الـ«سوبر باكس»، التي جمعت أكثر من 5 مليارات دولار من أجل إنفاقها على الانتخابات الفدرالية خلال السنوات العشر الأخيرة، منذ أن جعلت قضية «مواطنون متحدون» ذلك ممكناً.
وبالطبع هذه هي التبرعات التي نعرفها فقط. وإذا كانت الـ«سوبر باكس» ملزَمة قانونياً بالكشف عن هويات مانحيها، فإن أي شخص يريد عدم الكشف عن هويته، يستطيع بكل بساطة منح مجموعات «المال المظلم» التي تستطيع قانونياً الإبقاء على هوية المانحين طي الكتمان. وبسبب ثغرات قانونية أبقى عليها الكونجرس و«لجنة الانتخابات الفيدرالية» المختلة، استطاعت مجموعات «المال المظلم» إنفاق أكثر من مليار دولار منذ 2010 مع إخفاء مصادر تمويلها. وإلى جانب تضليل الناخبين، فإن انعدام الشفافية يسمح لزعماء الشركات بتوجيه الأرباح إلى السياسة من دون علم حاملي الأسهم، ويفتح الباب للمال الأجنبي من أجل التسلل إلى النظام السياسي الأميركي.
إن دور المال كان محدوداً بالنسبة لبلومبيرج وستاير، لكن المثير للسخرية هو أن إحدى أكبر مساهماتهما في هذه الانتخابات كانت تسليط ضوء كاشف على الحاجة إلى إصلاحات تقوّي تأثير الأميركيين العاديين وتمكّن من شفافية أكبر في الحملات الانتخابية.
تشيسون لي ودانييل وينر*
*نائبان لمدير برنامج إصلاح الانتخابات في «مركز برينان من أجل العدالة» بجامعة نيويورك
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»