في الاحتفال بالذكرى الحادية والثلاثين للانسحاب السوفييتي من أفغانستان، ينتظر الناس في كابول، إعلان اتفاق بين الولايات المتحدة وجماعة «طالبان»، بشأن انسحاب القوات الأميركية، والشكوك هنا بشأن ما هو آت، تتوارى أمام اليقين بشأن إخفاق الحرب المستمرة، وهذا الاتفاق قد يدشن عملية هي أفضل فرصة لإنهاء حرب أفغانستان الدائرة منذ 40 عاماً، والاتفاق يلبي المطالب المحورية للخصوم الأصليين للمرحلة الأخيرة من هذه الحرب، وهذه المطالب تتمثل في انسحاب القوات الأميركية بالنسبة لـ«طالبان»، وضمانات بعدم إيواء الإرهابيين بالنسبة للولايات المتحدة، وبعد ذلك تأتي المفاوضات بين داعمي الحكومة الأفغانية و«طالبان»، بناءً على اشتراط إنهاء الحرب، حتى مع استمرار المعركة مع الإرهابيين الدوليين.
والاتفاق يقدم جدولاً زمنياً لانسحاب القوات وضمانات بمكافحة الإرهاب، وطريقاً لوقف إطلاق النار وعملية للتسوية السياسية، والتطبيق يشترط أيضاً تفكيك بنية «طالبان» الأساسية في باكستان المجاورة، وتأكيدات من القوى الخارجية بألا يستخدم أي منها أفغانستان ضد الآخرين، وتخشى الولايات المتحدة وداعمو الحكومة الأفغانية من احتمال أن تستغل «طالبان» انسحاب القوات سعياً وراء انتصار عسكري، بينما تخشى «طالبان» من احتمال أن تفت تنازلاتها في معنويات مقاتليها، وأن تمكن الولايات المتحدة من تأجيل سحب القوات، والاتفاق يتغلب على انعدام الثقة في عملية تتابع مراحله، وينص على أن مراحله تعتمد على بعضها البعض، فمع تطبيق كل خطوة، ستراقب الأطراف الالتزام قبل المضي قدماً إلى الخطوة التالية.
ومع إعلان الاتفاق، يلتزم كلا الجانبين بعملية «تقليص للعنف» على امتداد البلاد لمدة سبعة أيام، وقدمت «طالبان» عرضاً بتقليص كبير ودائم للعنف على امتداد البلاد يشمل الأفغان وقوات التحالف، وترد الولايات المتحدة في المقابل بوقف العمليات الهجومية، وتتعهد «طالبان» صراحةً بألا تسمح بتواجد تنظيم «القاعدة» في أفغانستان، كما تلزم نفسها بمواصلة التصدي لتنظيم «داعش»، وهناك ملحق في الاتفاق يؤسس مركزاً يتقاسم فيه الجيش الأميركي و«طالبان» المعلومات الخاصة بمكافحة الإرهاب ومراقبة الانتهاكات المحتملة، وفي الأيام الـ135 الأولى بعد التوقيع، تقلص الولايات المتحدة قواتها في أفغانستان إلى 8600 جندي، أي إلى مستوى القوات الذي بلغته في نهاية إدارة الرئيس باراك أوباما، وبخلاف هذا، تعزز شروط الاتفاق المزيد من الانسحاب بناء على تلبية «طالبان» لالتزاماتها في مكافحة الإرهاب، وستوقف «طالبان» هجماتها ضد القوات الأميركية لتيسير الانسحاب، وستحتفظ الولايات المتحدة بحق المساعدة في الدفاع عن القوات الأفغانية.
وفي غضون عشرة أيام، تدشن «طالبان» مفاوضات مع الحكومة الأفغانية وداعميها، ومن المرجح أن يكون أول بند في قائمة الأولويات هو الوقف الشامل لإطلاق النار، ويتوقع أنصار الحكومة الذين تحدث معهم كاتب هذه السطور في كابول، أن تشترط «طالبان» قيام حكومة انتقالية تضم كل الأحزاب مقابل وقف لإطلاق النار، وهذه الحكومة الانتقالية تشرف على انتقال قد يتضمن مراجعة للدستور القائم، والتسوية قد تتطلب أيضاً دمج عناصر «طالبان» المسلحين في قوات الأمن، وهذا صعب في أي صراع مسلح، لكن في أفغانستان هناك صعوبة إضافية في تسريح المقاتلين، وتفكيك البنية التحتية للإرهابيين على جانبي الحدود بين أفغانستان وباكستان، وهذا يتطلب تعاون باكستان، وقد بدأت محادثات عسكرية عالية المستوى.
والبعض يعارض العملية، مجادلين بأن «طالبان» لن تطبق أبداً مثل هذا الاتفاق، وأنها تأخذ على نفسها الالتزام بإقامة إمارتها الإسلامية، وأن باكستان لن تغلق أبداً الملاذ الآمن لـ«طالبان»، لكن هذا الاتفاق يعالج هذه المخاطر عبر السماح للولايات المتحدة والحكومة الأفغانية، بأن تختبرا «طالبان» وباكستان دون استبعاد البدائل الأخرى، فالولايات المتحدة تحتفظ بحق تعديل الجدول الزمني للانسحاب للتأكد من التزام جميع الأطراف بالاتفاق.
وقد تشترط «طالبان» حق المشاركة في الحكومة، وإجراء تعديلات ليصبح النظام الحالي أكثر قرباً من تفسيراتها للشريعة الإسلامية، وهذا يستتبع مخاطر على مكاسب حقوق الإنسان وخاصة حقوق المرأة، ويتعين على الولايات المتحدة أن تظل مشتركة في الأمر، حتى تضمن ألا يعرّض مثل هذه الانتقال استقرار البلاد وقوات أمنها للخطر ولضمان الحفاظ على المكاسب الاجتماعية الأساسية التي تحققت في العقدين الماضيين، فقد ذكرت منظمة «هيومن رايتس ووتش» التابعة للأمم المتحدة، أن الأطفال منذ عام 2016 يمثلون سنوياً ثلث الضحايا المدنيين البالغ عددهم 11 ألفاً، وهو عدد قد يكون أقل من الواقع، وهو ما يعني أن الحرب التي استهدفت منع تكرار هجمات الحادي عشر من سبتمبر، تحصد كل عام عدداً من أطفال أفغانستان يعادل ما سقط في تلك الهجمات.
والولايات المتحدة ليست بحاجة لإبقاء قوات في أفغانستان للدفاع عن نفسها ضد الإرهاب، فهجمات الحادي عشر من سبتمبر دُبرت في بلدان أخرى وليس في أفغانستان، واليوم، قد يجري مثل هذا التدبير في عشرات البلدان، ومع صعود قوى أخرى لا تحتاج الولايات المتحدة إلى تمديد تواجدها العسكري، بل إلى إقامة شبكة من التعاون ضد التهديدات العامة، والتأييد لهذه العملية من روسيا والصين وباكستان وأوروبا سيمنحها إمكانيات إضافية، وحماية مكاسب هذه العملية يتطلب المزيد من المبادرات الدبلوماسية مع هذه الدول، ويتعين أيضاً تجنب المواجهة مع إيران ضماناً لنجاح هذه العملية، وربما تواجه الإدارة الاختيار بين وجود أفغانستان مسؤولة ومواجهة جيرانها.
بارنت آر. روبن
مدير برنامج أفغانستان الإقليمي بجامعة نيويورك، والمستشار البارز السابق للممثل الخاص لدى أفغانستان وباكستان في وزارة الخارجية الأميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
والاتفاق يقدم جدولاً زمنياً لانسحاب القوات وضمانات بمكافحة الإرهاب، وطريقاً لوقف إطلاق النار وعملية للتسوية السياسية، والتطبيق يشترط أيضاً تفكيك بنية «طالبان» الأساسية في باكستان المجاورة، وتأكيدات من القوى الخارجية بألا يستخدم أي منها أفغانستان ضد الآخرين، وتخشى الولايات المتحدة وداعمو الحكومة الأفغانية من احتمال أن تستغل «طالبان» انسحاب القوات سعياً وراء انتصار عسكري، بينما تخشى «طالبان» من احتمال أن تفت تنازلاتها في معنويات مقاتليها، وأن تمكن الولايات المتحدة من تأجيل سحب القوات، والاتفاق يتغلب على انعدام الثقة في عملية تتابع مراحله، وينص على أن مراحله تعتمد على بعضها البعض، فمع تطبيق كل خطوة، ستراقب الأطراف الالتزام قبل المضي قدماً إلى الخطوة التالية.
ومع إعلان الاتفاق، يلتزم كلا الجانبين بعملية «تقليص للعنف» على امتداد البلاد لمدة سبعة أيام، وقدمت «طالبان» عرضاً بتقليص كبير ودائم للعنف على امتداد البلاد يشمل الأفغان وقوات التحالف، وترد الولايات المتحدة في المقابل بوقف العمليات الهجومية، وتتعهد «طالبان» صراحةً بألا تسمح بتواجد تنظيم «القاعدة» في أفغانستان، كما تلزم نفسها بمواصلة التصدي لتنظيم «داعش»، وهناك ملحق في الاتفاق يؤسس مركزاً يتقاسم فيه الجيش الأميركي و«طالبان» المعلومات الخاصة بمكافحة الإرهاب ومراقبة الانتهاكات المحتملة، وفي الأيام الـ135 الأولى بعد التوقيع، تقلص الولايات المتحدة قواتها في أفغانستان إلى 8600 جندي، أي إلى مستوى القوات الذي بلغته في نهاية إدارة الرئيس باراك أوباما، وبخلاف هذا، تعزز شروط الاتفاق المزيد من الانسحاب بناء على تلبية «طالبان» لالتزاماتها في مكافحة الإرهاب، وستوقف «طالبان» هجماتها ضد القوات الأميركية لتيسير الانسحاب، وستحتفظ الولايات المتحدة بحق المساعدة في الدفاع عن القوات الأفغانية.
وفي غضون عشرة أيام، تدشن «طالبان» مفاوضات مع الحكومة الأفغانية وداعميها، ومن المرجح أن يكون أول بند في قائمة الأولويات هو الوقف الشامل لإطلاق النار، ويتوقع أنصار الحكومة الذين تحدث معهم كاتب هذه السطور في كابول، أن تشترط «طالبان» قيام حكومة انتقالية تضم كل الأحزاب مقابل وقف لإطلاق النار، وهذه الحكومة الانتقالية تشرف على انتقال قد يتضمن مراجعة للدستور القائم، والتسوية قد تتطلب أيضاً دمج عناصر «طالبان» المسلحين في قوات الأمن، وهذا صعب في أي صراع مسلح، لكن في أفغانستان هناك صعوبة إضافية في تسريح المقاتلين، وتفكيك البنية التحتية للإرهابيين على جانبي الحدود بين أفغانستان وباكستان، وهذا يتطلب تعاون باكستان، وقد بدأت محادثات عسكرية عالية المستوى.
والبعض يعارض العملية، مجادلين بأن «طالبان» لن تطبق أبداً مثل هذا الاتفاق، وأنها تأخذ على نفسها الالتزام بإقامة إمارتها الإسلامية، وأن باكستان لن تغلق أبداً الملاذ الآمن لـ«طالبان»، لكن هذا الاتفاق يعالج هذه المخاطر عبر السماح للولايات المتحدة والحكومة الأفغانية، بأن تختبرا «طالبان» وباكستان دون استبعاد البدائل الأخرى، فالولايات المتحدة تحتفظ بحق تعديل الجدول الزمني للانسحاب للتأكد من التزام جميع الأطراف بالاتفاق.
وقد تشترط «طالبان» حق المشاركة في الحكومة، وإجراء تعديلات ليصبح النظام الحالي أكثر قرباً من تفسيراتها للشريعة الإسلامية، وهذا يستتبع مخاطر على مكاسب حقوق الإنسان وخاصة حقوق المرأة، ويتعين على الولايات المتحدة أن تظل مشتركة في الأمر، حتى تضمن ألا يعرّض مثل هذه الانتقال استقرار البلاد وقوات أمنها للخطر ولضمان الحفاظ على المكاسب الاجتماعية الأساسية التي تحققت في العقدين الماضيين، فقد ذكرت منظمة «هيومن رايتس ووتش» التابعة للأمم المتحدة، أن الأطفال منذ عام 2016 يمثلون سنوياً ثلث الضحايا المدنيين البالغ عددهم 11 ألفاً، وهو عدد قد يكون أقل من الواقع، وهو ما يعني أن الحرب التي استهدفت منع تكرار هجمات الحادي عشر من سبتمبر، تحصد كل عام عدداً من أطفال أفغانستان يعادل ما سقط في تلك الهجمات.
والولايات المتحدة ليست بحاجة لإبقاء قوات في أفغانستان للدفاع عن نفسها ضد الإرهاب، فهجمات الحادي عشر من سبتمبر دُبرت في بلدان أخرى وليس في أفغانستان، واليوم، قد يجري مثل هذا التدبير في عشرات البلدان، ومع صعود قوى أخرى لا تحتاج الولايات المتحدة إلى تمديد تواجدها العسكري، بل إلى إقامة شبكة من التعاون ضد التهديدات العامة، والتأييد لهذه العملية من روسيا والصين وباكستان وأوروبا سيمنحها إمكانيات إضافية، وحماية مكاسب هذه العملية يتطلب المزيد من المبادرات الدبلوماسية مع هذه الدول، ويتعين أيضاً تجنب المواجهة مع إيران ضماناً لنجاح هذه العملية، وربما تواجه الإدارة الاختيار بين وجود أفغانستان مسؤولة ومواجهة جيرانها.
بارنت آر. روبن
مدير برنامج أفغانستان الإقليمي بجامعة نيويورك، والمستشار البارز السابق للممثل الخاص لدى أفغانستان وباكستان في وزارة الخارجية الأميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»