مليارات من حشرات الجراد في أسراب هائلة تحجب أشعة الشمس كما لو أنها نقمة من الله تهدد جنوب إثيوبيا وأجزاء مجاورة من كينيا في أعداد لم يشهدها أحد منذ عقود. وهذه الحشرات تفقس وتكبر في مناطق خارج نطاق سيطرة الحكومة في اليمن والصومال ثم تصل إلى مرحلة النضوج فتهاجر إلى الغرب لتصل إلى المناطق الخضراء في أفريقيا. وسقوط أمطار في غير موسمها بسبب تغير المناخ في المحيط الهندي جعل من شرق أفريقيا وليمة للجراد. وهذا ينذر بأزمة إنسانية كبيرة تلوح في الأفق. والجراد يستطيع أن يهلك الحرث والزرع ويترك الأسواق خاوية على عروشها والماشية بلا قوت. وفي شرق أفريقيا، هناك نحو 19 مليون شخص يواجهون بالفعل مستويات مرتفعة من انعدام الأمن الغذائي.
ويرى «بييه مولاتو» الخبير في مكافحة الآفات بمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا أن لا مفر من «محاولة قتلها جميعاً». وذكر «بييه» أن تصاعد عدد كبير من الجراد في شمال إثيوبيا عام 1954 أتى على كل أخضر في شمال البلاد وتسبب هذا- مع ما صاحبه من جفاف- في مجاعة امتدت عاماً. ورغم التحسن التكنولوجي، مازالت احتمالات الحماية ضعيفة. فمئات من أسراب هذه الحشرات تفقس من بيضها في الأراضي الرملية لليمن والسهول الساحلية للصومال من دون أي سيطرة تقريباً عليها. ولا تمتلك إثيوبيا إلا ثلاث طائرات قادرة على العمل لرش المبيدات الحشرية ولدى كينيا منها خمس. وفي الوقت نفسه، تقترب أكبر الأسراب كل يوم إلى منطقة سلة خبز إثيوبيا في الأخدود الأفريقي العظيم حيث تلتهم أسراب أصغر بعض الحقول هناك.
وأعلنت الأمم المتحدة أنها في حاجة إلى 76 مليون دولار على الفور لتعزيز عملية رش المبيدات. وذكر كو دونجيو المدير العام ل «فاو» في إفادة صحفية أن التمويل مطلوب الآن بالفعل لأن توافر الأموال بعد ذلك سيكون بلا نفع. ومن المرجح أن تكون إثيوبيا هي الأكثر تضرراً من الوباء الذي بدأ في يونيو الماضي لكنه يصل إلى مرحلة خطيرة الآن. صحيح أن هناك تقارير عن أسراب هائلة في كينيا وأسراب أصغر في جيبوتي وأريتريا والسودان والصومال، لكن إثيوبيا هي الدولة الوحيدة التي من المتوقع أن يهبط عليها جراد في قمة نضجه على الحقول. وحذرت الأمم المتحدة من أن الجراد انتقل إلى أوغندا في الأيام القليلة الماضية وربما ينتقل إلى جنوب السودان.
وأدت سنوات من الجفاف إلى اعتماد واسع النطاق على المساعدات الغذائية في المنطقة وأدت الأمطار المفاجئة إلى فيضانات مدمرة. وخفف موسم مطير طويل بشكل غير معتاد بعض الضغوط على إمدادات الغذاء، لكنه قدم ظروفاً مثالية لتكاثر الجراد. وحالف الحظ مزارعي جنوب إثيوبيا في أن أكبر أسراب الجراد لم تظهر إلا في يناير بعد موسم الحصاد. لكن هناك الآن بذور جديدة من الذرة والقمح في التربة، وهناك أيضاً مئات المليارات من بيض الجراد.
والظرف المناخي غير المعتاد سببه ظاهرة شبيهة بظاهرة «النينو» في المحيط الهندي تحدث كل عشر سنوات لكن الدراسات تظهر أنها أصبحت أكثر تواتراً وأيضاً أكثر قوة. والظاهرة تؤدي إلى سقوط أمطار غزيرة في شرق أفريقيا التي شهدت ثمانية أعاصير قبالة سواحلها العام الماضي وجفاف في أستراليا فاقم من حرائق الغابات هناك. ومن المتوقع أن يستمر المطر حتى يونيو على الأقل ما يمهد الطريق لهذه الأسراب المتحفزة أن تلتهم المحصول القادم. وذكر «هافي إليما» المزارع من جنوب إثيوبيا أنه «في ثقافتنا نحتفي بالجراد لأنه بشير بوصول المطر لكننا نعلم أن الحشرات إذا بقيت أطول من فترة المطر، فإنها ستأكل كل شيء وسيعضنا الجوع».
ويؤكد زيبدوس سالاتو، مدير قسم حماية النباتات في وزارة الزراعة الأثيوبية، أن موارد البلاد غير كافية. تشجع الحكومة الأثيوبية على وسائل المكافحة التقليدية مثل تخويف الجراد بأصوات الطلقات النارية وإشعال النيران ومطاردة المزارعين لهم. وتضع الحكومة أيضا مراقبين على التلال العالية لمراقبة الأسراب وإرسال رسائل نصية للمسؤولين الإقليميين بشأن تحركها لكن المبيدات الحشرية مثل الملاثيون هي الطريقة الوحيدة لقتل الأسراب.
ولا يستطيع الطيارون رش الحشرات بالمبيدات إلا وهي على الأرض. لأن الجراد من ذوات الدم البارد وأفضل وقت لرشه بالمبيدات هو الساعات المبكرة من الصباح. لكن لسوء الحظ تعرقل الأمطار في وقت مبكر من الصباح عملية رش المبيدات ولا يصل الطيارون إلى الإسراب إلا بعد أن تكون حلقت في الهواء لتنتشر عبر أميال كثيرة. والحكومة الأثيوبية والأمم المتحدة في حاجة ماسة لمزيد من التمويل لمنع وقوع الاحتمال الكابوسي وهو أن تجتاح الحشرات الحقول وتلتهم الأخضر واليابس. والجراد يمكنه قطع 100 ميل في اليوم بمساعدة الرياح، وهذا يعني أنها على مقربة من مساحات هائلة من المزارع التي تغذي ثاني أكثر دول القارة سكاناً.
*رئيس مكتب «واشنطن بوست» في نيروبي.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»