ذكر تقرير جديد أصدرته الأمم المتحدة أن عدم المساواة المتزايد يؤدي إلى تآكل الثقة في المجتمعات الديمقراطية، ويمهد الطريق لأن تتجذر الأنظمة الاستبدادية والتأصيلية. وتشير استنتاجات التقرير إلى أن الحلول (بما في ذلك إنشاء شبكات أمان اجتماعي قوية، وإعادة التوزيع النشطة للثروة وحماية حقوق العمال)، «قد تم التوصية بها منذ عقود»، وأنها ضمن قدرة الدول المتقدمة في العالم.
لكن في العديد من الدول، بما فيها الولايات المتحدة، منعت «النخبُ الاقتصادية» مثلَ هذه المبادرات لأنها حتماً تشكل تحدياً لمصالح بعض الأفراد والجماعات، ما يؤثر على توازن القوى في البلدان الساعية إلى إعادة توزيع اقتصادي أكبر، وفقاً للتقرير.
وذكر التقرير أن أغنى 1% من الأسر الأميركية قد ضاعفوا حصتهم تقريباً من ثروة البلاد منذ عام 1980، تاركين حصة أقل للباقين. وأغنى 400 أميركي الآن لديهم أموال أكثر بكثير من 150 مليون أميركي في قاع 60% من التوزيع.
وفي العقود العديدة الماضية، شهدت رواتب العمال العاديين ركوداً، حتى بعد أن حققوا الأرباح المتنامية التي طالب بها رؤساؤهم وحاملو الأسهم. وكما يلاحظ تقرير الأمم المتحدة، كان متوسط الراتب للرئيس التنفيذي في شركة مدرجة على مؤشر «ستاندارد & بورز 500» هو 14.5 مليون دولار في 2018، بينما حصل العامل غير المشْرِف متوسط الإنتاج على حوالي 40 ألف دولار.
وجادل المدافعون عن الوضع الاقتصادي الراهن بأن عدم المساواة ربما لا يرتفع إلى هذا الحد. لكن حتى إذا كان الأمر كذلك، فربما يكون نتيجة حتمية للمجتمع الرأسمالي، وفي الحقيقة قد يكون نتيجة جيدة بالفعل.
ومع ذلك، يشير التقرير الأممي إلى أن عدم المساواة المتفشي يضر حتى بالأشخاص الذين يتصدرون توزيعات الدخل والثروة. والمجتمعات غير المتكافئة «تنمو ببطء أكثر وتكون أقل نجاحاً في الحفاظ على النمو الاقتصادي»، كما أظهرت دراسات عديدة. ومع تدهور الأوضاع الاقتصادية في الطبقات الدنيا والمتوسطة، قد نصل إلى نقطة لم تعد فيها شريحة حرجة من السكان قادرة على شراء هواتف «آيفون» وتطبيقات رائعة وشحن مجاني، وهي الأمور التي تقود اقتصادنا وتسبب الركود. وفي النهاية، قد تكون المشكلة مع الرأسمالية هي نفاد أموال الأشخاص الآخرين.
ويسلط تقرير الأمم المتحدة الضوء بشكل واضح على ديناميكيات القوة الكامنة وراء صراعات عدم المساواة الحالية. ويقول التقرير: «يميل الأشخاص في مناصب السلطة إلى الاستيلاء على العمليات السياسية، خاصة في إطار عدم المساواة العالية والمتنامية. والجهود المبذولة للحد من عدم المساواة ستتحدى حتماً مصالح بعض الأفراد والجماعات. وهي في جوهرها تؤثر على توازن القوى».
وتلك ملاحظة مفيدة جداً لفهم النقاش الحالي، فغالباً ما يحتج الفائزون في الاقتصاد الحديث، اقتصاد «الرابح يأخذ كل شيء»، بأن توزيع المال ليس لعبة محصلتها صفر. وربما يحصل الأشخاص العاديون على جزء أصغر من الكعكة الأميركية، لكن إذا كانت هذه الكعكة أكبر بكثير مما اعتادت أن تكون عليه في السابق، فربما يكونوا أفضل حالا مما كانوا عليه قبل 40 عاماً.
بيد أنه في الوقت الذي يُنصح فيه هؤلاء الفائزون بالتفكير في لعبة أخرى ليست صفرية، فإنهم يتبعون أيضاً بلا رحمة منهجاً محصلته صفر لإعادة صياغة قواعد الاقتصاد لمصلحتهم الخاصة. وقد ضغطت الشركات وقادتها الأثرياء على نطاق واسع وبنجاح من أجل تخفيف أعبائها الضريبية، وإضعاف شبكة الأمان الاجتماعي، وتقويض سلطة عمالها، وزيادة نفوذها في عملية صنع القرار. وكانت النتيجة الصافية هي انتقال هائل للثروة والسلطة من الفقراء والطبقة المتوسطة إلى من هم في القمة.
عندما يشكّل الأغنياء مؤسسات البلاد وفقاً لتصورهم ولصالحهم، فلا عجب أن تتراجع الثقة في تلك المؤسسات، كما حدث في الولايات المتحدة. وهذا الافتقار إلى الثقة يخلق فراغاً للأنظمة التأصيلية لتتجذر، وفقاً لتقرير الأمم المتحدة، والذي أضاف: «لقد كانت الرسالة المركزية للحركات الشعبية تاريخياً هي أن الناس العاديين يتم استغلالهم من قبل نخبة مميزة، وأن التغيير المؤسسي الجذري مطلوب لتجنب مثل هذا الاستغلال».
لكن الأبحاث تُظهر بأن تاريخ الأنظمة الشعبوية، منذ عام 1990، كان بالأساس تاريخ فساد ومصالح ذاتية وتفاقم لعدم المساواة والعنف السياسي.
وقد عرف صانعو السياسة كيفية تجنب هذه النتيجة الفظيعة لعقود من الزمان، وفقاً لتقرير الأمم المتحدة. ويتطلب تحقيق المساواة تعزيز الحد الأدنى للأجور، وتعزيز شبكة الأمان الاجتماعي، وضمان حصول الجميع على الرعاية الصحية في الأماكن التي تفتقر إليها حالياً. إن الأمر في منتهى البساطة، والدول المتقدمة، مثل الولايات المتحدة، لديها الكثير من القدرات الاقتصادية والخبرة الفنية لتحقيق النجاح في ذلك.
لكن وضع هذه السياسات موضع التنفيذ سيتطلب إعادة توزيع الكثير من الثروة على من هم في الطبقات الأدنى، وذلك من خلال آلية مثل فرض ضريبة الثروة أو أي شكل آخر من زيادة الضرائب المفروضة على الأثرياء. وقد عرَّف الأفراد والمؤسسات التي تجمع ثروات البلاد هذه السياسات بأنها تمثل تهديداً لمصالحهم.
*كاتب أميركي متخصص في إعداد البيانات
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
لكن في العديد من الدول، بما فيها الولايات المتحدة، منعت «النخبُ الاقتصادية» مثلَ هذه المبادرات لأنها حتماً تشكل تحدياً لمصالح بعض الأفراد والجماعات، ما يؤثر على توازن القوى في البلدان الساعية إلى إعادة توزيع اقتصادي أكبر، وفقاً للتقرير.
وذكر التقرير أن أغنى 1% من الأسر الأميركية قد ضاعفوا حصتهم تقريباً من ثروة البلاد منذ عام 1980، تاركين حصة أقل للباقين. وأغنى 400 أميركي الآن لديهم أموال أكثر بكثير من 150 مليون أميركي في قاع 60% من التوزيع.
وفي العقود العديدة الماضية، شهدت رواتب العمال العاديين ركوداً، حتى بعد أن حققوا الأرباح المتنامية التي طالب بها رؤساؤهم وحاملو الأسهم. وكما يلاحظ تقرير الأمم المتحدة، كان متوسط الراتب للرئيس التنفيذي في شركة مدرجة على مؤشر «ستاندارد & بورز 500» هو 14.5 مليون دولار في 2018، بينما حصل العامل غير المشْرِف متوسط الإنتاج على حوالي 40 ألف دولار.
وجادل المدافعون عن الوضع الاقتصادي الراهن بأن عدم المساواة ربما لا يرتفع إلى هذا الحد. لكن حتى إذا كان الأمر كذلك، فربما يكون نتيجة حتمية للمجتمع الرأسمالي، وفي الحقيقة قد يكون نتيجة جيدة بالفعل.
ومع ذلك، يشير التقرير الأممي إلى أن عدم المساواة المتفشي يضر حتى بالأشخاص الذين يتصدرون توزيعات الدخل والثروة. والمجتمعات غير المتكافئة «تنمو ببطء أكثر وتكون أقل نجاحاً في الحفاظ على النمو الاقتصادي»، كما أظهرت دراسات عديدة. ومع تدهور الأوضاع الاقتصادية في الطبقات الدنيا والمتوسطة، قد نصل إلى نقطة لم تعد فيها شريحة حرجة من السكان قادرة على شراء هواتف «آيفون» وتطبيقات رائعة وشحن مجاني، وهي الأمور التي تقود اقتصادنا وتسبب الركود. وفي النهاية، قد تكون المشكلة مع الرأسمالية هي نفاد أموال الأشخاص الآخرين.
ويسلط تقرير الأمم المتحدة الضوء بشكل واضح على ديناميكيات القوة الكامنة وراء صراعات عدم المساواة الحالية. ويقول التقرير: «يميل الأشخاص في مناصب السلطة إلى الاستيلاء على العمليات السياسية، خاصة في إطار عدم المساواة العالية والمتنامية. والجهود المبذولة للحد من عدم المساواة ستتحدى حتماً مصالح بعض الأفراد والجماعات. وهي في جوهرها تؤثر على توازن القوى».
وتلك ملاحظة مفيدة جداً لفهم النقاش الحالي، فغالباً ما يحتج الفائزون في الاقتصاد الحديث، اقتصاد «الرابح يأخذ كل شيء»، بأن توزيع المال ليس لعبة محصلتها صفر. وربما يحصل الأشخاص العاديون على جزء أصغر من الكعكة الأميركية، لكن إذا كانت هذه الكعكة أكبر بكثير مما اعتادت أن تكون عليه في السابق، فربما يكونوا أفضل حالا مما كانوا عليه قبل 40 عاماً.
بيد أنه في الوقت الذي يُنصح فيه هؤلاء الفائزون بالتفكير في لعبة أخرى ليست صفرية، فإنهم يتبعون أيضاً بلا رحمة منهجاً محصلته صفر لإعادة صياغة قواعد الاقتصاد لمصلحتهم الخاصة. وقد ضغطت الشركات وقادتها الأثرياء على نطاق واسع وبنجاح من أجل تخفيف أعبائها الضريبية، وإضعاف شبكة الأمان الاجتماعي، وتقويض سلطة عمالها، وزيادة نفوذها في عملية صنع القرار. وكانت النتيجة الصافية هي انتقال هائل للثروة والسلطة من الفقراء والطبقة المتوسطة إلى من هم في القمة.
عندما يشكّل الأغنياء مؤسسات البلاد وفقاً لتصورهم ولصالحهم، فلا عجب أن تتراجع الثقة في تلك المؤسسات، كما حدث في الولايات المتحدة. وهذا الافتقار إلى الثقة يخلق فراغاً للأنظمة التأصيلية لتتجذر، وفقاً لتقرير الأمم المتحدة، والذي أضاف: «لقد كانت الرسالة المركزية للحركات الشعبية تاريخياً هي أن الناس العاديين يتم استغلالهم من قبل نخبة مميزة، وأن التغيير المؤسسي الجذري مطلوب لتجنب مثل هذا الاستغلال».
لكن الأبحاث تُظهر بأن تاريخ الأنظمة الشعبوية، منذ عام 1990، كان بالأساس تاريخ فساد ومصالح ذاتية وتفاقم لعدم المساواة والعنف السياسي.
وقد عرف صانعو السياسة كيفية تجنب هذه النتيجة الفظيعة لعقود من الزمان، وفقاً لتقرير الأمم المتحدة. ويتطلب تحقيق المساواة تعزيز الحد الأدنى للأجور، وتعزيز شبكة الأمان الاجتماعي، وضمان حصول الجميع على الرعاية الصحية في الأماكن التي تفتقر إليها حالياً. إن الأمر في منتهى البساطة، والدول المتقدمة، مثل الولايات المتحدة، لديها الكثير من القدرات الاقتصادية والخبرة الفنية لتحقيق النجاح في ذلك.
لكن وضع هذه السياسات موضع التنفيذ سيتطلب إعادة توزيع الكثير من الثروة على من هم في الطبقات الأدنى، وذلك من خلال آلية مثل فرض ضريبة الثروة أو أي شكل آخر من زيادة الضرائب المفروضة على الأثرياء. وقد عرَّف الأفراد والمؤسسات التي تجمع ثروات البلاد هذه السياسات بأنها تمثل تهديداً لمصالحهم.
*كاتب أميركي متخصص في إعداد البيانات
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»