تستقر محطة «فرقة بومونت» لمكافحة حرائق الريف وسط منطقة وارفة الخضرة في غابة جبلية. ومنذ نوفمبر يترك ديف ماكارت، قائد الفرقة، هو وفريقه هذا الملاذ الجميل ويستقلون شاحنة الإطفاء الوحيدة للفرقة، ويغامرون بحياتهم بلا مقابل مادي، كي يتصدوا للحرائق على امتداد الساحل الجنوبي الشرقي لأستراليا.
وماكارت وفرقته المؤلفة من 20 فرداً، يمثلون جزءاً من «خدمة مكافحة حرائق الريف»، وهي قوة قوامها نحو 70 ألف متطوع لمكافحة الحرائق منتشرين عبر ولاية «نيو ساوث ويلز». وهناك فرق مشابهة من متطوعي الإطفاء في ولاية فيكتوريا وغيرها من الولايات تتصدى لمئات الحرائق في موسم من حرائق الغابات يُعتقد أنه الأسوأ في تاريخ أستراليا، بينما الصيف في نصف الكرة الأرضية الجنوبي مازال في منتصفه. وتشير بيانات إلى أن الحرائق أكثر من 26 مليون إكر و3000 منزل على امتداد أستراليا.
وأرهقت ضراوة الحرائق واتساع نطاقها قدرة الخدمة على التصدي للحرائق، وأثارت جدلاً عاماً بشأن اعتماد البلاد على نمط التطوع في مكافحة الحرائق، الذي يعود إلى بداية القرن التاسع عشر. وواجه رئيس الوزراء «سكوت موريسون» انتقادات حادة الشهر الماضي، حين رفض الدعوات المطالبة بتقديم تعويض مادي للمتطوعين، حين صرح للصحفيين قائلاً: «صحيح أن هذه الفرق نالها الإرهاق، لكنهم يريدون الخروج للدفاع عن مجتمعاتهم».
وبعد ثلاثة أسابيع من غضب المتطوعين في جهود الإطفاء وأنصارهم، وضع موريسون خطة اتحادية لدفع أموال للمتطوعين الذين يعملون لدى أصحاب عمل من الحجم المتوسط والصغير. وتبلغ المدفوعات ما يصل إلى ستة آلاف دولار أميركي (ما يعادل 4100 دولار أسترالي) لتعويضهم عن الدخول التي فقدوها نتيجة تطوعهم. وجاء هذا التحرك بعد أيام من إعلانه أن المتطوعين في مكافحة الحرائق من موظفي الحكومة الاتحادية سيحصلون على عطلة مدفوعة الأجر مدتها أربعة أسابيع.
وخففت القرارات حدة المخاوف قصيرة الأمد، دون أن تحسم السؤال الذي يتردد بشأن إذا ما كان يجب على أستراليا مواصلة الاعتماد على قوة المتطوعين مع توسع واشتداد تأثير تغير المناخ في تأجيج نيران هذا الفصل، مما فرض أعباء مالية ومادية على المتطوعين.
وكان «ماكارت»، وهو مهندس متقاعد، قد انضم إلى الفرقة عام 2002. وذكر أن توليه قيادة الفرقة يرجع إلى تقلص عدد أفرادها وليس إلى طموحه.
والمتطوعون يشغلون مكانة رفيعة في الثقافة الأسترالية، فهناك لافتات مصنوعة يدوياً تنتشر في الساحل الذي تركت عليه الحرائق آثارها تشيد بجهود المتطوعين، والتبرعات تتدفق على فرق المتطوعين بغزارة. وهناك شعور جماعي عميق بالفخر لدى هؤلاء المتطوعين. فقد اعتبر عدد كبير من أفراد فرق المتطوعين البالغ عددها ألفي فرقة أن تقديم مدفوعات منتظمة لهم يمثل إهانة لروح الفكرة التي يؤمنون بها.
لكن مارك ويلسون، قائد فرقة خدمة مكافحة حرائق الريف في وينجليو الواقعة إلى الغرب من بومونت، يرى أنه يجب على الحكومة خفض الضرائب على المتطوعين وتقدم حوافز أخرى، نظراً للمخاطر المتصاعدة التي يفرضها تغير المناخ. بينما يرى كارليل سيرز وهو من الفرقة نفسها، أن التطوع في مثل هذا العمل يجعل المرء يستعيد إيمانه بالإنسانية ويجعله يشعر «برابطة وجدانية مع المجتمع. لأن المرء يخدم الناس ويحاول حمايتهم وحماية منازلهم».
لكن مبدأ الإيثار الذي يمثل لب فكرة التطوع مثقل بعدة عراقيل. فهناك ما بين الثلث والنصف من قوة المتطوعين تفتقر إلى الرغبة، أو القدرة على القيام بالواجبات والتصدي للمخاطر في مناطق الحرائق. وهناك عدة عوامل تحول دون قيام المتطوعين بواجباتهم، مثل التقدم في السن وضعف القوة البدنية، وعدم توافر إجازة مدفوعة الأجر، والتزامات الأسرة.
ومتوسط عمر المتطوعين يتجاوز 50 عاماً. والمتطوعون الذين تقل أعمارهم عن 25 عاماً يشكلون أقل من 15% في فرق المتطوعين. والحرائق التي لا تكل لهذا الموسم اختبرت صلابة الأفراد من كبار السن الذين يعكسون تقدم الأعمار وسط سكان ريف البلاد. وعانى مئات من المتطوعين من الجفاف والإرهاق الشديد بسبب الحرارة وضربات الشمس، وتحدثت تقارير عن حدوث كسور في العظام وإصابات أخرى لدى عشرات الأشخاص.
ومعظم أفراد فرقة «بومونت» العشرين تبلغ أعمارهم 50 عاماً أو أكثر. وذكر «ماكارت» أن الأشخاص الذين تجاوزوا الستين من العمر يحتاجون ليومين من الراحة بعد وردية عمل مدتها 12 ساعة. يقدم المتطوعون خدمات مكافحة الحرائق والطوارئ عبر 95% من نيو ساوث ويلز. ووكالة مكافحة الحرائق والإنقاذ في الولاية تضم 7000 من المتطوعين في مكافحة الحرائق الذين يتلقون أجراً وتغطي المراكز الحضرية أساساً. وفي المقابل، يمثل المتطوعون الثلثين فقط من القوة الإجمالية لمكافحة الحرائق في الولايات المتحدة ويخدمون في الأساس المناطق الريفية.
ويخشى «بن جروسكروتز» وهو من فرقة «وينجيلو» أن يؤدي تقديم مدفوعات للمتطوعين أو إلى بعضهم إلى تدمير الشعور بالوحدة داخل الخدمة. ويؤكد أن 99% من المتطوعين لا يريدون المال لأنه «إذا بدأوا يدفعون لنا، سيكون هناك استياء ممن يحصلون على المال ومن مقدار ما يحصلون عليه».
وأعلن رئيس خدمة مكافحة حرائق الريف أن المتطوعين أخبروه «بصوت مرتفع ووضوح» أنهم يفضلون عدم الحصول على المال. ورصدت الخدمة تصاعداً في طلبات الالتحاق مع تزايد الدعم الشعبي للمتطوعين والإعجاب بهم.
*كاتب أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
وماكارت وفرقته المؤلفة من 20 فرداً، يمثلون جزءاً من «خدمة مكافحة حرائق الريف»، وهي قوة قوامها نحو 70 ألف متطوع لمكافحة الحرائق منتشرين عبر ولاية «نيو ساوث ويلز». وهناك فرق مشابهة من متطوعي الإطفاء في ولاية فيكتوريا وغيرها من الولايات تتصدى لمئات الحرائق في موسم من حرائق الغابات يُعتقد أنه الأسوأ في تاريخ أستراليا، بينما الصيف في نصف الكرة الأرضية الجنوبي مازال في منتصفه. وتشير بيانات إلى أن الحرائق أكثر من 26 مليون إكر و3000 منزل على امتداد أستراليا.
وأرهقت ضراوة الحرائق واتساع نطاقها قدرة الخدمة على التصدي للحرائق، وأثارت جدلاً عاماً بشأن اعتماد البلاد على نمط التطوع في مكافحة الحرائق، الذي يعود إلى بداية القرن التاسع عشر. وواجه رئيس الوزراء «سكوت موريسون» انتقادات حادة الشهر الماضي، حين رفض الدعوات المطالبة بتقديم تعويض مادي للمتطوعين، حين صرح للصحفيين قائلاً: «صحيح أن هذه الفرق نالها الإرهاق، لكنهم يريدون الخروج للدفاع عن مجتمعاتهم».
وبعد ثلاثة أسابيع من غضب المتطوعين في جهود الإطفاء وأنصارهم، وضع موريسون خطة اتحادية لدفع أموال للمتطوعين الذين يعملون لدى أصحاب عمل من الحجم المتوسط والصغير. وتبلغ المدفوعات ما يصل إلى ستة آلاف دولار أميركي (ما يعادل 4100 دولار أسترالي) لتعويضهم عن الدخول التي فقدوها نتيجة تطوعهم. وجاء هذا التحرك بعد أيام من إعلانه أن المتطوعين في مكافحة الحرائق من موظفي الحكومة الاتحادية سيحصلون على عطلة مدفوعة الأجر مدتها أربعة أسابيع.
وخففت القرارات حدة المخاوف قصيرة الأمد، دون أن تحسم السؤال الذي يتردد بشأن إذا ما كان يجب على أستراليا مواصلة الاعتماد على قوة المتطوعين مع توسع واشتداد تأثير تغير المناخ في تأجيج نيران هذا الفصل، مما فرض أعباء مالية ومادية على المتطوعين.
وكان «ماكارت»، وهو مهندس متقاعد، قد انضم إلى الفرقة عام 2002. وذكر أن توليه قيادة الفرقة يرجع إلى تقلص عدد أفرادها وليس إلى طموحه.
والمتطوعون يشغلون مكانة رفيعة في الثقافة الأسترالية، فهناك لافتات مصنوعة يدوياً تنتشر في الساحل الذي تركت عليه الحرائق آثارها تشيد بجهود المتطوعين، والتبرعات تتدفق على فرق المتطوعين بغزارة. وهناك شعور جماعي عميق بالفخر لدى هؤلاء المتطوعين. فقد اعتبر عدد كبير من أفراد فرق المتطوعين البالغ عددها ألفي فرقة أن تقديم مدفوعات منتظمة لهم يمثل إهانة لروح الفكرة التي يؤمنون بها.
لكن مارك ويلسون، قائد فرقة خدمة مكافحة حرائق الريف في وينجليو الواقعة إلى الغرب من بومونت، يرى أنه يجب على الحكومة خفض الضرائب على المتطوعين وتقدم حوافز أخرى، نظراً للمخاطر المتصاعدة التي يفرضها تغير المناخ. بينما يرى كارليل سيرز وهو من الفرقة نفسها، أن التطوع في مثل هذا العمل يجعل المرء يستعيد إيمانه بالإنسانية ويجعله يشعر «برابطة وجدانية مع المجتمع. لأن المرء يخدم الناس ويحاول حمايتهم وحماية منازلهم».
لكن مبدأ الإيثار الذي يمثل لب فكرة التطوع مثقل بعدة عراقيل. فهناك ما بين الثلث والنصف من قوة المتطوعين تفتقر إلى الرغبة، أو القدرة على القيام بالواجبات والتصدي للمخاطر في مناطق الحرائق. وهناك عدة عوامل تحول دون قيام المتطوعين بواجباتهم، مثل التقدم في السن وضعف القوة البدنية، وعدم توافر إجازة مدفوعة الأجر، والتزامات الأسرة.
ومتوسط عمر المتطوعين يتجاوز 50 عاماً. والمتطوعون الذين تقل أعمارهم عن 25 عاماً يشكلون أقل من 15% في فرق المتطوعين. والحرائق التي لا تكل لهذا الموسم اختبرت صلابة الأفراد من كبار السن الذين يعكسون تقدم الأعمار وسط سكان ريف البلاد. وعانى مئات من المتطوعين من الجفاف والإرهاق الشديد بسبب الحرارة وضربات الشمس، وتحدثت تقارير عن حدوث كسور في العظام وإصابات أخرى لدى عشرات الأشخاص.
ومعظم أفراد فرقة «بومونت» العشرين تبلغ أعمارهم 50 عاماً أو أكثر. وذكر «ماكارت» أن الأشخاص الذين تجاوزوا الستين من العمر يحتاجون ليومين من الراحة بعد وردية عمل مدتها 12 ساعة. يقدم المتطوعون خدمات مكافحة الحرائق والطوارئ عبر 95% من نيو ساوث ويلز. ووكالة مكافحة الحرائق والإنقاذ في الولاية تضم 7000 من المتطوعين في مكافحة الحرائق الذين يتلقون أجراً وتغطي المراكز الحضرية أساساً. وفي المقابل، يمثل المتطوعون الثلثين فقط من القوة الإجمالية لمكافحة الحرائق في الولايات المتحدة ويخدمون في الأساس المناطق الريفية.
ويخشى «بن جروسكروتز» وهو من فرقة «وينجيلو» أن يؤدي تقديم مدفوعات للمتطوعين أو إلى بعضهم إلى تدمير الشعور بالوحدة داخل الخدمة. ويؤكد أن 99% من المتطوعين لا يريدون المال لأنه «إذا بدأوا يدفعون لنا، سيكون هناك استياء ممن يحصلون على المال ومن مقدار ما يحصلون عليه».
وأعلن رئيس خدمة مكافحة حرائق الريف أن المتطوعين أخبروه «بصوت مرتفع ووضوح» أنهم يفضلون عدم الحصول على المال. ورصدت الخدمة تصاعداً في طلبات الالتحاق مع تزايد الدعم الشعبي للمتطوعين والإعجاب بهم.
*كاتب أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»