بالرغم من أن الهيمنة الأميركية والانفراد بالقرار في أحوال المنطقة مرفوض، فإن السؤال المهم هو: هل نحن على أعتاب مرحلة جديدة وتأتي من واشنطن لتهميش المنطقة عالمياً؟ هل من الواجب إذن الاستعداد وإعداد سيناريوهات مستقبلية للحفاظ على دور المنطقة العربية إقليمياً وعالمياً في حال نجاح مثل هذا التفكير الضيق.
فقد عاد الحديث بقوة حول إعادة توجيه السياسة الخارجية الأميركية لتهميش الانخراط في الشرق الأوسط مالياً وبشرياً، والتوجه نحو آسيا، حيث الثقل الديموغرافي والاقتصادي، وقد يكون الإنجاز والعائد متاحاً وأسرع طبقاً لحسابات هذا التفكير، آخر حلقات هذا الحديث جاءت الأسبوع الماضي في مقال بوول ستريت جورنال وبقلم مارتن إنديك. وكل من مكان النشر وكذلك الكاتب ذي أهمية خاصة. فـ«وول ستريت جورنال»، صحيفة لها تأثير كبير في دوائر المال والأعمال، ويتعدى تأثيره بالتأكيد لدى هذه النخبة وسائل إعلام ذائعة الصيت، مثل نيويورك تايمز، واشنطن بوست أو «سي إن إن»، ولا تقل مكانة الكاتب مارتن إنديك أهمية عن دورية الوول ستريت جورنال. فبالرغم من وصوله إلى الولايات المتحدة من أستراليا متأخراً بعض الوقت، إلا أنه صعد في النخبة السياسية بسرعة شديدة ليصبح سفيراً للولايات المتحدة في إسرائيل والمبعوث الخاص لكل من الرئيسين السابقين بيل كلينتون وباراك أوباما لإدارة المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، والوصول إلى تسوية نهائية.
يستند الحديث للدعوة إلى إعادة توجه السياسة الخارجية الأميركية إلى دعامتين رئيسيتين: (1) الثقل الآسيوي المتنامي، و(2) التكلفة المتزايدة للتورط الأميركي في «مستنقع الشرق الأوسط ذي الحروب الأبدية»، فالثقل الآسيوية لا شك فيه. الآسيويون هم 5 مليارات من البشر أو حوالي 70? من سكان العالم، ولديهم ثلثي كبريات المدن العالمية، ويشكلون أكثر من ثلث الاقتصاد العالمي، وفي آسيا 3 في المائة الأكثر ثراء في العالم حسب قائمة مجلة فورس Fortune الشهيرة، وفي هذه القارة 6 من أكبر بنوك العالم، و8 من أكبر الجيوش، وبالإضافة إلى روسيا هناك على الأقل 3 قوى نووية.
أما فيما يتعلق بالشرق الأوسط وبالرغم من أهميته التاريخية والحضارية، فإنه الآن يُعاني وباء الحروب الأبدية التي تزداد بدلاً من أن تقل، فأزمات العراق وسوريا واليمن في اشتعال منذ أعوام، وها هي ليبيا تلحق بهم، بل يقول «إنديك» إنه ليس هناك ما يُجبر الآن واشنطن على البقاء في الشرق الأوسط، حيث أن اكتشافاتها البترولية الحديثة تُنهي اعتمادها على بترول الشرق الأوسط، كما أن إسرائيل الآن هي من القوة العسكرية بحيث تستطيع الدفاع عن نفسها، وكذلك بدأت في إقامة علاقات إقليمية قوية بعد معاهدات السلام مع كل من مصر والأردن وكذلك اتفاق أوسلو مع الفلسطينيين. كما أن مواجهة إيران يكون أفضل بفرض العقوبات الاقتصادية وليس بالغزو العسكري.
وطبقاً لهذا المنطق، فإن العمل العسكري الأميركي هو المكلف في المنطقة، ما بين 5.6 و6.4 تريليون دولار في حروب الشرق الأوسط «الأبدية» ودون نتيجة تُذكر.
في ظاهره يبدو الحديث عن إعادة توجيه السياسة الخارجية الأميركية منطقياً حسب الناحية الحسابية الرقمية للمكسب والخسارة، ولكن هل الناحية الرقمية الأساس السليم لإدارة السياسة الخارجية للدولة الأعظم؟
الكلام عن ضرورة الاختيار بين الشرق الأوسط وآسيا مغلوط، لأن الولايات المتحدة ليست دولة صغيرة تكتفي بممارسة سياسة إقليمية وفي إقليم واحد فقط، الولايات المتحدة هي الدولة الأعظم ولا تستطيع تجنب سياسة عالمية في الشرق الأوسط كما في آسيا، وبالطبع في أميركا اللاتينية حيث أصرت على «مبدأ مونرو» منذ القرن التاسع عشر، واعتبار هذه المنطقة منطقة نفوذ للحيلولة دون تهديد الأمن الأميركي من الخلف، كما أن أوروبا والعلاقات عبر الأطلنطي مصلحة قومية أميركية، وإلا لم يكن هناك أي مبرر لمشروع مارشال لبناء أوروبا عقب نهاية الحرب العالمية الثانية، وكذلك إنشا حلف الـ Nato في سنة 1949، والذي يُعاني الآن «نزيفاً في المخ» على حد قول الرئيس الفرنسي الذي يرى أحد أعضائه - تركيا - تستورد الصواريخ من روسيا. أحوال «الناتو» تُثبت مثالب النظرة الضيقة.
المشكلة إذن في واشنطن هو ليس الاختيار بين آسيا والشرق الأوسط، ولكن تطوير استراتيجية مشاركة عامة وواضحة لدولة عظمى، بعيداً عن التذبذب والوقوع في التناقضات، كما رأينا في السياسة الخارجية الأميركية أخيراً تجاه سوريا، ثم عدم الوضوح حالياً تجاه ليبيا. ولكن في جميع الأحوال فعلى المنطقة العربية الحذر وتهيئة سيناريو مستقبلي لمواجهة تهميش المنطقة.
فقد عاد الحديث بقوة حول إعادة توجيه السياسة الخارجية الأميركية لتهميش الانخراط في الشرق الأوسط مالياً وبشرياً، والتوجه نحو آسيا، حيث الثقل الديموغرافي والاقتصادي، وقد يكون الإنجاز والعائد متاحاً وأسرع طبقاً لحسابات هذا التفكير، آخر حلقات هذا الحديث جاءت الأسبوع الماضي في مقال بوول ستريت جورنال وبقلم مارتن إنديك. وكل من مكان النشر وكذلك الكاتب ذي أهمية خاصة. فـ«وول ستريت جورنال»، صحيفة لها تأثير كبير في دوائر المال والأعمال، ويتعدى تأثيره بالتأكيد لدى هذه النخبة وسائل إعلام ذائعة الصيت، مثل نيويورك تايمز، واشنطن بوست أو «سي إن إن»، ولا تقل مكانة الكاتب مارتن إنديك أهمية عن دورية الوول ستريت جورنال. فبالرغم من وصوله إلى الولايات المتحدة من أستراليا متأخراً بعض الوقت، إلا أنه صعد في النخبة السياسية بسرعة شديدة ليصبح سفيراً للولايات المتحدة في إسرائيل والمبعوث الخاص لكل من الرئيسين السابقين بيل كلينتون وباراك أوباما لإدارة المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، والوصول إلى تسوية نهائية.
يستند الحديث للدعوة إلى إعادة توجه السياسة الخارجية الأميركية إلى دعامتين رئيسيتين: (1) الثقل الآسيوي المتنامي، و(2) التكلفة المتزايدة للتورط الأميركي في «مستنقع الشرق الأوسط ذي الحروب الأبدية»، فالثقل الآسيوية لا شك فيه. الآسيويون هم 5 مليارات من البشر أو حوالي 70? من سكان العالم، ولديهم ثلثي كبريات المدن العالمية، ويشكلون أكثر من ثلث الاقتصاد العالمي، وفي آسيا 3 في المائة الأكثر ثراء في العالم حسب قائمة مجلة فورس Fortune الشهيرة، وفي هذه القارة 6 من أكبر بنوك العالم، و8 من أكبر الجيوش، وبالإضافة إلى روسيا هناك على الأقل 3 قوى نووية.
أما فيما يتعلق بالشرق الأوسط وبالرغم من أهميته التاريخية والحضارية، فإنه الآن يُعاني وباء الحروب الأبدية التي تزداد بدلاً من أن تقل، فأزمات العراق وسوريا واليمن في اشتعال منذ أعوام، وها هي ليبيا تلحق بهم، بل يقول «إنديك» إنه ليس هناك ما يُجبر الآن واشنطن على البقاء في الشرق الأوسط، حيث أن اكتشافاتها البترولية الحديثة تُنهي اعتمادها على بترول الشرق الأوسط، كما أن إسرائيل الآن هي من القوة العسكرية بحيث تستطيع الدفاع عن نفسها، وكذلك بدأت في إقامة علاقات إقليمية قوية بعد معاهدات السلام مع كل من مصر والأردن وكذلك اتفاق أوسلو مع الفلسطينيين. كما أن مواجهة إيران يكون أفضل بفرض العقوبات الاقتصادية وليس بالغزو العسكري.
وطبقاً لهذا المنطق، فإن العمل العسكري الأميركي هو المكلف في المنطقة، ما بين 5.6 و6.4 تريليون دولار في حروب الشرق الأوسط «الأبدية» ودون نتيجة تُذكر.
في ظاهره يبدو الحديث عن إعادة توجيه السياسة الخارجية الأميركية منطقياً حسب الناحية الحسابية الرقمية للمكسب والخسارة، ولكن هل الناحية الرقمية الأساس السليم لإدارة السياسة الخارجية للدولة الأعظم؟
الكلام عن ضرورة الاختيار بين الشرق الأوسط وآسيا مغلوط، لأن الولايات المتحدة ليست دولة صغيرة تكتفي بممارسة سياسة إقليمية وفي إقليم واحد فقط، الولايات المتحدة هي الدولة الأعظم ولا تستطيع تجنب سياسة عالمية في الشرق الأوسط كما في آسيا، وبالطبع في أميركا اللاتينية حيث أصرت على «مبدأ مونرو» منذ القرن التاسع عشر، واعتبار هذه المنطقة منطقة نفوذ للحيلولة دون تهديد الأمن الأميركي من الخلف، كما أن أوروبا والعلاقات عبر الأطلنطي مصلحة قومية أميركية، وإلا لم يكن هناك أي مبرر لمشروع مارشال لبناء أوروبا عقب نهاية الحرب العالمية الثانية، وكذلك إنشا حلف الـ Nato في سنة 1949، والذي يُعاني الآن «نزيفاً في المخ» على حد قول الرئيس الفرنسي الذي يرى أحد أعضائه - تركيا - تستورد الصواريخ من روسيا. أحوال «الناتو» تُثبت مثالب النظرة الضيقة.
المشكلة إذن في واشنطن هو ليس الاختيار بين آسيا والشرق الأوسط، ولكن تطوير استراتيجية مشاركة عامة وواضحة لدولة عظمى، بعيداً عن التذبذب والوقوع في التناقضات، كما رأينا في السياسة الخارجية الأميركية أخيراً تجاه سوريا، ثم عدم الوضوح حالياً تجاه ليبيا. ولكن في جميع الأحوال فعلى المنطقة العربية الحذر وتهيئة سيناريو مستقبلي لمواجهة تهميش المنطقة.