لأنه بات من الواضح أن التغير المناخي يمثل حالة طوارئ حقيقية في جميع أنحاء العالم، هناك حاجة متزايدة إلى دَفعة سياسية كبيرة للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة. بيد أن هذا يطرح سؤالاً عن الخطوات السياسية الأكثر فاعلية.
ورغم ارتفاع نصيب الفرد من الانبعاثات، فإن الولايات المتحدة مسؤولة عن سُبع إنتاج الكربون العالمي فقط. كما أن انبعاثاتها الناتجة عن توليد الطاقة آخذة في الانخفاض مع تحول البلاد بعيداً عن الفحم، حتى مع قيام الصين بإضافة مزيد من المصانع العاملة بالفحم. وفي الوقت نفسه، فإن البلدان الفقيرة حريصة على بدء وتسريع عمليات التصنيع الخاصة بها. وحتى تساعد الولايات المتحدة على حل هذه المشكلة العالمية، ستحتاج إلى توظيف حلول ذات تأثير عالمي، مثل البحث عن تكنولوجيات جديدة ونشرها، ودعم الشركات لتوسيع نطاق استخدام هذه التكنولوجيات وجعلها مجدية، وتمويل البلدان الأخرى لاستخدام الطاقة المتجددة وفرض ضرائب على منتجات الدول التي تزيد من استخدام الوقود الأحفوري.
بيد أن الولايات المتحدة بحاجة للبدء بنفسها. فإذا لم تقم بالحد من انبعاثاتها بشكل كبير، ستبدو كأنها تحاول حمل بقية العالم على القيام بذلك. وهذا من شأنه أن يصعّب إبرام اتفاقيات مناخ عالمية في المستقبل، وسيجعل البلدان المنافسة تتردد في التحول عن الوقود الأحفوري خوفاً من فقدان ميزة تنافسية.
والخبر السار هو أن الانبعاثات الأميركية الناجمة عن توليد الكهرباء آخذة في الانخفاض، مما يؤدي إلى تراجع بنحو 2.1% في إجمالي الانبعاثات عام 2019. وهذا الانخفاض المذهل في أسعار الطاقة الشمسية يعني أن استمرار هذا الاتجاه يكاد يكون مؤكداً.
والخبر السيئ هو أن الكهرباء تمثل أقل من ثلث إجمالي انبعاثات الولايات المتحدة. والفئات الأخرى الكبرى –النقل والصناعة والمباني التجارية والسكنية –إما لم تتغير أو أنها ارتفعت.
وللحفاظ على استمرار تراجع الانبعاثات، يجب التركيز على المصانع والمباني. وهنا يأتي دور السياسة. والمهمة الأولى هي ببساطة الحفاظ على الانخفاض في انبعاثات الكهرباء. فالكهرباء هي المفتاح لكافة الفئات الأخرى لخفض الانبعاثات، لأنه كلما زاد اعتماد الشبكة على مصادر الطاقة المتجددة، كان بالإمكان زيادة الانخفاضات من خلال ربط كل شيء بالشبكة. وهذا يعني إغلاق كافة محطات الطاقة العاملة بالفحم في أسرع وقت ممكن. وهذا يعني أيضاً الاستمرار في دعم الاعتماد على الطاقة الشمسية، كما يعني عدم ارتكاب خطأ حظر الطاقة النووية أو التكسير لاستخراج الغاز الطبيعي.
وبالنسبة لوسائل النقل، وهي الآن أكبر مصدر للانبعاثات، تتمثل السياسة الرئيسية في استبدال مركبات الاحتراق الداخلي بمركبات كهربائية تعمل بالبطارية. ولحسن الحظ، فإن أسعار البطاريات، مثل تلك التي تعمل بالطاقة الشمسية، آخذة في الانخفاض بسرعة. لكن إذا لم تكن هناك أماكن كافية لشحن السيارات الكهربائية والشاحنات والحافلات، سيتردد الناس والشركات في التحول إلى الكهرباء خوفاً من أن تتقطع بهم السبل. ومن ناحية أخرى، تحتاج الحكومات إلى دَفعة كبيرة لنشر البنية التحتية للشحن في المنازل وأماكن العمل وإنشاء محطات شحن للشاحنات والرحلات البرية. ولن يتكلف هذا إلا القليل نسبياً مع استمرار إنفاق الحكومة بضع عشرات مليارات الدولارات في جميع أنحاء البلاد، وإن كان التنسيق بين الولايات سيكون مشكلة. وينبغي على الحكومة الفيدرالية التدخل لضمان قيام كل ولاية بدورها. وإلى ذلك، فعلى الحكومة الاستمرار في دعم البطاريات لخفض التكاليف.
إن الانبعاثات من المباني السكنية والتجارية مشكلة قابلة للحل. والعديد من المباني تستخدم الآن الغاز للتدفئة والطهي، لكن الحد من الانبعاثات يعني استبدال الغاز بالكهرباء كلّما أمكن هذا. وهناك العديد من الطرق لإنشاء المباني لجعلها أكثر كفاءة في استخدام الطاقة، حيث إن تغيير قواعد إنشاء المباني الجديدة وتحديث المباني القديمة سيتطلب لائحة جديدة. كما سيتطلب الكثير من الحوافز الضريبية.
أما الصناعة فستكون المشكلة الأصعب. فالكثير من الصناعات التحويلية تتطلب حرارة كثيفة، والوسيلة الوحيدة المجدية اقتصادياً للحصول على هذه الحرارة هي حرق الغاز الطبيعي أو غيره من أنواع الوقود الأحفوري. وإلى ذلك، تقوم بعض المنتجات واسعة الانتشار والضرورية اقتصادياً، مثل الصلب والإسمنت، بإصدار الكثير من الكربون عند صنعها.
وعلى العكس من السيارات والمباني، لا يوجد حل فوري. فالكهرباء يمكنها حل مشكلة الحرارة في بعض الحالات، لكنها غالباً ما تكون أكثر كلفة، وبالنسبة لبعض التطبيقات، لا يمكنها ببساطة توفير قدر كافٍ من الحرارة. وفي نهاية الأمر، سينطوي الإصلاح على مزيج من الحلول مثل الوقود الأحفوري والهيدروجين. وفي كثير من الحالات، سيكون الخيار الأكثر توفيراً هو ببساطة الحصول على الكربون الناجم عن استخدام الوقود الأحفوري الصناعي وتخزينه (الكربون).
إن عدم وجود إجابة مثالية يعني أن أفضل طريقة يمكن للحكومة من خلالها تشجيع الصناعات على إيجاد الحل الأمثل لها هي فرض ضريبة على الكربون.
ورغم أن المعركة ضد التغير المناخي تعتمد في النهاية على العديد من البلدان، فإن الولايات المتحدة يمكنها القيام بدور كبير في التحول إلى المركبات والمباني التي تعمل بالكهرباء، والاستمرار في اللجوء إلى مصادر الطاقة المتجددة، وتطبيق ضريبة الكربون على الصناعة.
*أستاذ مساعد للمالية لدى جامعة «ستوني بروك»
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
ورغم ارتفاع نصيب الفرد من الانبعاثات، فإن الولايات المتحدة مسؤولة عن سُبع إنتاج الكربون العالمي فقط. كما أن انبعاثاتها الناتجة عن توليد الطاقة آخذة في الانخفاض مع تحول البلاد بعيداً عن الفحم، حتى مع قيام الصين بإضافة مزيد من المصانع العاملة بالفحم. وفي الوقت نفسه، فإن البلدان الفقيرة حريصة على بدء وتسريع عمليات التصنيع الخاصة بها. وحتى تساعد الولايات المتحدة على حل هذه المشكلة العالمية، ستحتاج إلى توظيف حلول ذات تأثير عالمي، مثل البحث عن تكنولوجيات جديدة ونشرها، ودعم الشركات لتوسيع نطاق استخدام هذه التكنولوجيات وجعلها مجدية، وتمويل البلدان الأخرى لاستخدام الطاقة المتجددة وفرض ضرائب على منتجات الدول التي تزيد من استخدام الوقود الأحفوري.
بيد أن الولايات المتحدة بحاجة للبدء بنفسها. فإذا لم تقم بالحد من انبعاثاتها بشكل كبير، ستبدو كأنها تحاول حمل بقية العالم على القيام بذلك. وهذا من شأنه أن يصعّب إبرام اتفاقيات مناخ عالمية في المستقبل، وسيجعل البلدان المنافسة تتردد في التحول عن الوقود الأحفوري خوفاً من فقدان ميزة تنافسية.
والخبر السار هو أن الانبعاثات الأميركية الناجمة عن توليد الكهرباء آخذة في الانخفاض، مما يؤدي إلى تراجع بنحو 2.1% في إجمالي الانبعاثات عام 2019. وهذا الانخفاض المذهل في أسعار الطاقة الشمسية يعني أن استمرار هذا الاتجاه يكاد يكون مؤكداً.
والخبر السيئ هو أن الكهرباء تمثل أقل من ثلث إجمالي انبعاثات الولايات المتحدة. والفئات الأخرى الكبرى –النقل والصناعة والمباني التجارية والسكنية –إما لم تتغير أو أنها ارتفعت.
وللحفاظ على استمرار تراجع الانبعاثات، يجب التركيز على المصانع والمباني. وهنا يأتي دور السياسة. والمهمة الأولى هي ببساطة الحفاظ على الانخفاض في انبعاثات الكهرباء. فالكهرباء هي المفتاح لكافة الفئات الأخرى لخفض الانبعاثات، لأنه كلما زاد اعتماد الشبكة على مصادر الطاقة المتجددة، كان بالإمكان زيادة الانخفاضات من خلال ربط كل شيء بالشبكة. وهذا يعني إغلاق كافة محطات الطاقة العاملة بالفحم في أسرع وقت ممكن. وهذا يعني أيضاً الاستمرار في دعم الاعتماد على الطاقة الشمسية، كما يعني عدم ارتكاب خطأ حظر الطاقة النووية أو التكسير لاستخراج الغاز الطبيعي.
وبالنسبة لوسائل النقل، وهي الآن أكبر مصدر للانبعاثات، تتمثل السياسة الرئيسية في استبدال مركبات الاحتراق الداخلي بمركبات كهربائية تعمل بالبطارية. ولحسن الحظ، فإن أسعار البطاريات، مثل تلك التي تعمل بالطاقة الشمسية، آخذة في الانخفاض بسرعة. لكن إذا لم تكن هناك أماكن كافية لشحن السيارات الكهربائية والشاحنات والحافلات، سيتردد الناس والشركات في التحول إلى الكهرباء خوفاً من أن تتقطع بهم السبل. ومن ناحية أخرى، تحتاج الحكومات إلى دَفعة كبيرة لنشر البنية التحتية للشحن في المنازل وأماكن العمل وإنشاء محطات شحن للشاحنات والرحلات البرية. ولن يتكلف هذا إلا القليل نسبياً مع استمرار إنفاق الحكومة بضع عشرات مليارات الدولارات في جميع أنحاء البلاد، وإن كان التنسيق بين الولايات سيكون مشكلة. وينبغي على الحكومة الفيدرالية التدخل لضمان قيام كل ولاية بدورها. وإلى ذلك، فعلى الحكومة الاستمرار في دعم البطاريات لخفض التكاليف.
إن الانبعاثات من المباني السكنية والتجارية مشكلة قابلة للحل. والعديد من المباني تستخدم الآن الغاز للتدفئة والطهي، لكن الحد من الانبعاثات يعني استبدال الغاز بالكهرباء كلّما أمكن هذا. وهناك العديد من الطرق لإنشاء المباني لجعلها أكثر كفاءة في استخدام الطاقة، حيث إن تغيير قواعد إنشاء المباني الجديدة وتحديث المباني القديمة سيتطلب لائحة جديدة. كما سيتطلب الكثير من الحوافز الضريبية.
أما الصناعة فستكون المشكلة الأصعب. فالكثير من الصناعات التحويلية تتطلب حرارة كثيفة، والوسيلة الوحيدة المجدية اقتصادياً للحصول على هذه الحرارة هي حرق الغاز الطبيعي أو غيره من أنواع الوقود الأحفوري. وإلى ذلك، تقوم بعض المنتجات واسعة الانتشار والضرورية اقتصادياً، مثل الصلب والإسمنت، بإصدار الكثير من الكربون عند صنعها.
وعلى العكس من السيارات والمباني، لا يوجد حل فوري. فالكهرباء يمكنها حل مشكلة الحرارة في بعض الحالات، لكنها غالباً ما تكون أكثر كلفة، وبالنسبة لبعض التطبيقات، لا يمكنها ببساطة توفير قدر كافٍ من الحرارة. وفي نهاية الأمر، سينطوي الإصلاح على مزيج من الحلول مثل الوقود الأحفوري والهيدروجين. وفي كثير من الحالات، سيكون الخيار الأكثر توفيراً هو ببساطة الحصول على الكربون الناجم عن استخدام الوقود الأحفوري الصناعي وتخزينه (الكربون).
إن عدم وجود إجابة مثالية يعني أن أفضل طريقة يمكن للحكومة من خلالها تشجيع الصناعات على إيجاد الحل الأمثل لها هي فرض ضريبة على الكربون.
ورغم أن المعركة ضد التغير المناخي تعتمد في النهاية على العديد من البلدان، فإن الولايات المتحدة يمكنها القيام بدور كبير في التحول إلى المركبات والمباني التي تعمل بالكهرباء، والاستمرار في اللجوء إلى مصادر الطاقة المتجددة، وتطبيق ضريبة الكربون على الصناعة.
*أستاذ مساعد للمالية لدى جامعة «ستوني بروك»
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»