تجددت الاحتجاجات الشعبية في كل من لبنان والعراق، وتحت شعار «أسبوع الغضب»، نزل المحتجون في لبنان إلى الساحات والشوارع، فقطعوا الطرق الرئيسية، واعتصموا أمام المرافق العامة، من الشمال إلى الجنوب مروراً ببيروت.. فيما ينبئ عن تجدد المواجهة بين المنتفضين والسلطة.
لقد سئم الشعب اللبناني أسلوب حكومته في التلكؤ والمماطلة، وإصرار مسؤوليه السياسيين وقادة طوائفه على تقاسم الحصص، وغض النظر عن مخاطر انزلاق لبنان نحو الانهيار الاقتصادي.
وفي العراق، تواصلت التظاهرات الاحتجاجية في بغداد وكربلاء والبصرة، حيث يطالب المتظاهرون بتشكيل حكومة مستقلة بعيدة عن تدخل الأحزاب الحاكمة وداعميها الخارجيين.
لكن ما الذي يميز الحراك الشعبي في البلدين عن غيرهما من الحراكات الاحتجاجية العربية الأخرى؟
أولاً: يتميز الحراك الشعبي في كل من لبنان العراق بعفويته وعدم اعتماده على الأحزاب والحركات السياسية التقليدية المتحكمة في النظامين السياسيين في البلدين.
ثانياً: المحرك الرئيسي للاحتجاجات في البلدين هم الشباب من طلاب الثانويات والجامعات، أي الذين تتراوح أعمارهم بين 17 و30 عاماً، وهم متعلمون ومثقفون ومتمردون على الواقع الاجتماعي المزري لبلدهم.
ثالثاً: لقد فاجأ محتجو الحراك الشعبي الساسةَ في البلدين (وفي العالم العربي والعالم ككل)، بإصرارهم على اتهام الطبقة السياسية الحاكمة بالفساد وبالاكتراث لمصالحها فحسب، وبكونها لا تصلح للحكم.. لذلك رفع المتظاهرون شعارات شاملة بعيدة كل البعد عن الطائفية والمناطقية والصراعات الحزبية، وأكدوا أن مطالبهم وطنية تتلخص في توفير الخدمات العامة والعيش الكريم وتوفير الوظائف للشباب.
رابعاً: رفض الشباب المتظاهر في البلدين الطرحَ الطائفي والمذهبي والقومي، وكل الأفكار التي تهدد وحدة النسيج الاجتماعي الوطني.. وبذلك يكونوا قد تجاوزوا الانقسامات التقليدية، وطرحوا فكرة المشاركة للجميع في إدارة الحكم، بحيث لا تحتكر فئة معينة السلطةَ باسم الطائفية أو القومية.
خامساً: من أكثر ما يلفت الانتباه في الحراك العراقي هو أن شباب الطائفة الشيعية، خصوصاً في الجنوب، هم مَن يقود الحراك ويرفضون الأحزاب والميليشيات الشيعية الدينية المدعومة إقليمياً، فهم شباب وطنيون يريدون مصلحة الوطن، ويرفضون وجود أي حكومة طائفية في بلادهم.
سادساً: يعي الشباب اللبناني والعراقي خطر التدخلات الخارجية في سياسة البلدين، وتأثيرها السلبي ودورها في إفساد النخب السياسية المحلية، لا سيما أن تبعية هذه النخب للخارج من شأنه أن يحول البلدين إلى ساحة للصراع الإقليمي والدولي ومسرح لتصفية الحسابات بين الدول الأجنبية على حساب المصالح اللبنانية والعراقية، ولطالما كانت النخب السياسية في البلدين جزءاً من الأدوات التي يجري استعمالها في ذلك الصراع، دون اكتراث من جانبها لأي مصلحة عراقية أو لبنانية، مُعليَّةً شأن مصالح حلفائها في الخارج، وقد ارتهنت لهم كلياً وعملت على جعل بلادها رهينةً لهم هي كذلك.
لكن ماذا عن المستقبل؟ لا خيار للنخب السياسية في لبنان والعراق إلا إجراء إصلاحات حقيقية تصب في مصلحة الشعبين، فالشعوب العربية على العموم أصبحت أكثر وعياً ودراية بمصالحها وحقوقها، لذلك يتعين إجراء إصلاحات تصب في مصلحة هذه الشعوب، وهذا أقصر طريق لتحقيق الأمن والاستقرار والرفاهية.
*أستاذ العلوم السياسية -جامعة الكويت