مع بداية العام الجديد، أي منذ أسبوعين وحسب، اشتد النقاش كالعادة بين فريقين، المتفائلون والمتشائمون، فيما يخص مستقبل العالم. لكن كالعادة، كان هناك فريق ثالث، كثيراً ما ندعوه «المتشائلون»، وهو الذي لم يحسم أمره بوضوح، لأنه يرى خليطاً من عوامل التفاؤل والتشاؤم. وغالباً ما يكون التشاؤم متصلاً بالنظرة إلى تطور الأمور السياسية، بينما يخص التفاؤلُ أمور الصحة والتعليم وتطور التكنولوجيا.
وقد أصابت أحداثُ الأسبوعين الماضيين في منطقة الخليج كثيرين في العالم بالتشاؤم، لأنّ المنطقة عاشت تحت وقع أزمات، بعضها متوقع، لكن نتائجه تطورت بسرعة غير متوقعة، وهذه إحدى مشكلات الشرق الأوسط، كما يراها الآخرون: أزمات متسارعة ومركبة يصعب التنبؤ بعواقبها.
فمثلاً، ورغم العلاقات المتدهورة باستمرار منذ خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني في سنة 2017، فإن مقتل الجنرال قاسم سليماني لدى مغادرته مطار بغداد، وصل بهذا التدهور إلى مرحلة أعلى بكثير من التدهور، وهي مرحلة الأزمة، واشتد القلق من حدوث الصدام العسكري المباشر، عن قصد أو غير قصد.
ولحسن الحظ، قام كثيرون بإسداء النصح للجانبين بغية تجنب السقوط في هاوية الحرب، وقد نجحوا في ذلك إلى حين، لكن فجأةً جاءت نتائج أخرى غير متوقعة، وأخص بالذكر هنا ثلاثة تطورات بارزة.
1- بعد أن كانت الاحتجاجات في الشارع العراقي على أشدها ضد النخبة السياسية الحاكمة، وضد مؤيديها الإقليميين، تركّزت الاحتجاجات على الإدارة الأميركية، بل طالب المجتمعون في البرلمان العراقي بإخراج القوات العسكرية الأميركية من هذا البلد. ورغم الشكوك حول هذا القرار وعدم إلزامه، فقد رأت الحكومةُ عدم تجاهله من الناحية السياسية والمعنوية. وفي حال إصرار الحكومة العراقية ورفض الإدارة الأميركية، قد تبدو القوات الأميركية وكأنها قوات احتلال، في وضع سياسي وأمني صعب، ويود العراقيون أن ألا يكون بلدهم ساحة القتال بين واشنطن وأي طرف خارجي آخر.
2- إسقاط طائرة مدنية أوكرانية في إيران بوساطة صواريخ للجيش، حيث انفجرت فور إقلاعها وعلى متنها 176 مسافراً (منهم 63 كندياً، و11 أوكرانياً و15 سويدياً و3 بريطانيين و3 ألمان.. إلخ)، فكان مأساة دولية بمعنى الكلمة. وبما أنني حالياً في كندا، فإنني أرى الآثار المحزنة مباشرةً في الشارع الكندي. وللتذكر، فإن كندا تختلف عن جارتها الولايات المتحدة، ليس فقط في القوّة العسكرية والنفوذ العالمي، ولكن أيضاً في الهدوء الداخلي، إذ ما إن يُقتل شخص واحدٌ في حادث سيارة، حتى يظهر ذلك في نشرة الأخبار، فما بالكم بموت 63 شخصاً في حادث طائرة! لقد تابع رئيس الوزراء الكندي شخصياً فصول الحادث وآثاره لحظة بلحظة، وكان أول مسؤول رسمي أعلن أن جهاز المخابرات الكندي أكد له بأن سقوط الطائرة كان جراء تعرضها لصاروخ تم إطلاقه عليها، وكرر تصريحه مراراً في مواجهة نفي الطرف الآخر، إلى أن عاد هذا الطرف وأعلن مسؤوليته عن سقوط الطائرة.
3- ليس من السهولة التكهن بحجم الآثار المترتبة على ذلك الاعتراف، لكن قد نرى تلك الآثار بشكل واضح وجلي خلال الأيام القادمة. بيد أنه ستكون هناك آثار مالية ضخمة بالنسبة لبلد يُعاني بالفعل جراء ضغوط اقتصادية متزايدة، وهو مُجبر الآن على أن يدفع على الفور لشركة الطيران الأوكرانية؛ للطيارين والمضيفين والمضيفات وأسرهم، وبالطبع لكل من أسر الـ176 مفقوداً من ركاب الطائرة. كما أن هناك آثاراً سياسية، خارجية وداخلية، ستكون أخطرها فقدان الثقة كلياً في كفاءة الأجهزة الرسمية هناك، مما سيمتد إلى الجبهة الداخلية التي توحدت في الآونة الأخيرة عقب حادثة الاغتيال، لكنها الآن تشعر بالحزن العميق لموت هذا العدد الكبير من المدنيين الأبرياء.