الله جل جلاله خص صفة التكريم لبني آدم عليه السلام، وهذا الفضل لم ينله أحداً من مخلوقاته. جعل الله تعالى النفس الإنسانية مكرمة، ولم يفرق نفساً على نفس. فلا يجوز إهانة النفس البشرية أو ظلمها أو التقليل من شأنها. تشير كلمة تكريم اصطلاحاً في معجم اللغة العربية إلى التعظيم، إجلال، تبجيل، تشرف. ونقيضها إذلال، إهانة، تحقير. يقول الله تعالى في سورة الإسراء: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا). تجلّى إكرام الله للبشر بأنْ سخر لهم نعماً لاتعد ولا تحصى ونفخ فيه من روحه، ومنحه العقل، وعلمه ما لم يعلم، وفضله على مخلوقاته، وسجدت له الملائكة. قال الله عزّ وجلّ: (إِذْ قُلْنَا لِلمَلَائِكَةِ اسْجُدُواْ لآدم فَسَجَدُواْ إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكافِرِين) 34 البقرة. وفي سورة ص يقول الله تعالى (قَالَ يَا إِبْلِيس مَا مَنَعَك أَنْ تَسْجُد لما خَلَقْت بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْت أَمْ كُنْت مِنْ الْعَالِينَ). فرد بكل تكبر مغتراً بخلقه أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين. فهو يرى أنه لا يجوز سجود الفاضل للمفضول. فالمخلوقات من عنصر النار تتفوق على المخلوقات من عنصر الطين بخفة الحركة والسرعة، والانتقال للمسافات بعيده، واختراق الأجسام الصلبة، والقدرة على التشكل، فاغتر بصفاته وقدراته، التي وهبها الله له. ولعدم الامتثال لأوامر الله بالسجود لآدم، وعده الله بالطرد من الجنة. وتحقيراً لبني آدم يقول: «أريت هذا الذي كرمت علي لئن أخرتني لأحتنكن ذريته». فأصل كلمة أحتنكن من الحنك، وهو أعلى الفم من الداخل ومن أحد معانيها حنكت الدابة أي أصاب الرجل حنكها باللجام. فالشيطان يستميل الإنسان ويلجمه كالدابة في تصرفاته وأقواله. وأقسم بقوله: لأقعدن لهم صراطك المستقيم، ثم لأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن إيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين. قال تعالى في سورة إبراهيم: «وإن شكرتم لأزيدنكم» لذا يحاول الشيطان أن يضل النفس عن شكر الله. من مداخله، أنه يجعل الإنسان ينظر إلى ذاته نظرة سلبية ويكره نفسه ويهينها ويهلكها ويتمنى لها الموت. ويعرف وساوس الشيطان في علم النفس بـ«الناقد الداخلي». أحياناً لا يدرك الفرد بأنها وساوس شيطانية فيقنعه بقباحة مظهره الخارجي، ويمتد إلى نقد أفكاره وسلوكه بصوتك الداخلي، فتظن بأنه صوتك أنت ويجرك إلى المعاصي. فيشعرك بالضياع في الدنيا لأن هدفه طردك من الجنة. هناك عدو آخر متمثل في إهانة الإنسان لأخيه الإنسان. علماً، أن الأصل في الإنسان الخير وأن الشر دخيل عليه. ولكن هناك فئة من البشر استحوذ الشيطان على قلوبها، ولا تتمتع بالحياة إلا في إهانة الآخرين.
وإن أبشع الإهانات ضد البشرية قتل النفس التي حرمها الله، وأبشعها ما يُحدث الحروب. إن إرضاء الناس غاية لا تدرك، لذا يجب على الإنسان أن يستمد قيمته من الله تعالى وليس من البشر. وألا يهين ذاته المكرمة، فالتكريم في المعجم الأرضي أغلبها مُرتبط بالمكافآت المادية. فكم نفس ذلت من أجل مكاسب دنيوية؟ الشياطين وبعض من الإنس يحاولون أن يهينوا النفس المكرمة إلا أن النفس البشرية لديها قدرة المجاهدة بالنفس على مكايد الشيطان ومواجهة الآخرين. هناك من البشر من قدّر نفسه حق قدرها، فمنهم من هبط على سطح القمر ومنهم من حلّق بالطيران. قُدرات النفس البشرية ليس لها حدود في إمكانياتها. إما أن ترقى بالنفس المكرمة أو تسقط بها إلى الهاوية، فـ«رحم الله امرئ عرف قدر نفسه».