.
خلال التحقيق الذي يجريه مجلس النواب بشأن العزل، ندد «الجمهوريون» بالعملية من خلال قرار مشترك مفاده أن «الديمقراطيين» يخونون مؤسسي الأمة من خلال تحريف الدستور ليناسب أغراضهم الحزبية. وأصر النائب «الجمهوري» دوجلاس كولينز(من ولاية جورجيا) في بيانه الافتتاحي في جلسة الاستماع التي عقدها مجلس النواب بخصوص العزل «لقد كان المؤسسون قلقين للغاية بشأن العزل الحزبي».
وبشكل ما، فإن «جمهوريي» الكونجرس محقون. ولكن ليس للأسباب التي يرونها. في الحقيقة، فإن موقفهم بشأن العزل هو الذي سيثير قلق المؤسسين لأن الصلابة الحزبية للحزب تهدد بإلغاء النظام الدستوري المناسب.
لقد كان المؤسسون يشجبون الحزبية في أي جانب من جوانب الحكومة الأميركية. لم يتخيلوا حينئذ وجود هيكل الحزبين الذي توطد خلال القرنين التاليين. كما لم يستطيعوا فهم الاستقطاب الحزبي الذي يؤثر في كل جوانب الحياة السياسية الأميركية.
في القرن الـ18، كان المفكرون السياسيون ينظرون إلى الأحزاب باعتبارها مثيرة للخلاف والتلاعب بشكل غير طبيعي. فبدلاً من تمثيل الإيديولوجيات والمصالح المتنافسة، كانت الأحزاب تسمم السياسة من خلال تعطيل الإجماع وتفصيل المصالح الخاصة على الصالح العام. وفي الورقة العاشرة 10 من الأوراق الفيدرالية، وصف «جيمس ماديسون» الأحزاب بأنها «فصائل»، حيث إن أي مجموعة «تتحول إلى حقوق المواطنين الآخرين، أو إلى المصالح الدائمة والجماعية للمجتمع».
ونتيجة لذلك، كان الرجال الذين اجتمعوا في فيلاديلفيا عام 1787 لوضع إطار للدستور الفيدرالي يرمون إلى إنشاء هيكل حكومي يحد من الحزبية. وكانت إحدى استراتيجياتهم هي نظام من الضوابط المؤسسية التي من شأنها تحاشي الحاجة إلى المشاحنات الحزبية لتأمين التوازن السياسي. ومن خلال إنشاء ثلاثة فروع متكافئة للحكومة، كان المؤسسون يأملون في ضمان أن يحقق هيكل الحكومة نفسها، وليس مجرد شكليات المنافسة الحزبية، توازناً صحياً بين الحرية الفردية والسلطة الحكومية.
خلال مناظرات التصديق، جادل المعارضون لتبني الدستور الأميركي أن الدستور فشل في ضمان هذا التوازن لأنه أعطى الفرع التنفيذي الكثير من السلطة. كانوا يخشون أن يؤدي تأثير الرئيس، وكذلك قدرته على استخدام حق النقض ضد التشريع والعفو عن المجرمين، إلى تحوله إلى «ملك فعلي» يدوس الحرية الأميركية.
ورداً على ذلك، أشار الفيدراليون، الذين طالبوا بالتصديق، إلى قوة الكونجرس في عزل وإقالة أي رئيس يسيء إلى منصبه. ويحفظ الدستور لفرع الشعب أقوى رقابة ضد توسع الفرع التنفيذي، مما يضمن أن الرئيس سيكون دائماً خاضعاً لحكم القانون الذي تفرضه إرادة الشعب.
المؤسسون اختاروا مجلس الشيوخ كمكان انعقاد المحاكمة الخاصة بالعزل لأن عضوية المجلس ومدتها ست سنوات جعلت من غير المرجح أن يتم تشويه العملية من قبل التأثير الشعبي.
وعلى الرغم من أن الدستور يفتقر إلى أي مواصفات بشأن شكل وإجراءات المحاكمة، فإنه ينص على ثلاث قواعد رئيسية، أولاً، أن يترأس رئيس المحكمة العليا المحاكمة، ثانياً، «لا يجوز إدانة أي شخص دون موافقة ثلثي الأعضاء الحاضرين». ثالثاً، يؤدي جميع أعضاء مجلس الشيوخ القسم أو يحصلون على التأكيد. ووفقاً للعرف، يتضمن القسم وعداً «بتحقيق العدال المحايدة».
لكن زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ «ميتش ماكونيل» (كنتاكي) رفض هذا المفهوم لدور مجلس الشيوخ كقاضي محايد لمواد المساءلة في مجلس النواب. وقال مؤخراً للصحفيين «إنني لست محايداً بشأن هذا على الإطلاق». وبدلاً من ذلك، أعلن نيته «التنسيق مع مستشار البيت الأبيض» خلال المحاكمة التي سيعقدها مجلس الشيوخ.
هذا يعادل القاضي الذي ينضم إلى فريق الدفاع، مع الاحتفاظ بحقه في الحكم في القضية.
إن آلية العزل موجودة لحماية الأميركيين من رئيس يتصرف «كأنه ملك»، وهي تشكل جزءاً مهماً من التوازن بين فروع الحكومة المصممة للدفاع عن الحرية الأميركية من السلطة غير العادلة. ودور مجلس الشيوخ هو الحكم على استحقاقات قضية مجلس النواب مع «الحياد الضروري بين فرد متهم، وممثلي الشعب ومتهميه»، على حد قول هاميلتون.
لكن تصريحات ماكونيل تكشف المشكلة الهيكلية التي تحد من قوة الإقالة باعتبارها فحصاً حاسماً للرئاسة.
لقد انتهت محاكمتا المساءلة السابقتين الوحيدتين –لأندرو جونسون وبيل كلينتون – بالبراءة. وتم عزل الرئيسين من قبل مجلس النواب الذي تسيطر عليه المعارضة. ومع ذلك، في كلتا الحالتين، تجاوز أعضاء مجلس الشيوخ خطوط الحزب للتصويت ضد الإدانة.
*مؤرخة متخصصة في الثقافة السياسية الأميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»