خلافاً للتقييمات المتشائمة لاستمراره في منصبه، فإن فرص ترامب في ولاية ثانية أخذت تتقلص مع تضاؤل الأمل في تحول في الرأي العام الأميركي. لكن، كيف وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم؟
إن استراتيجية ترامب المتمثلة في التودد إلى قاعدته الانتخابية كانت خطأً ذا تداعيات كبيرة جداً. صحيح أن قرابة 30 في المئة من الناخبين سيصدّقون كل ما يقوله ترامب، مهما كان منافياً للعقل، غير أن الاستراتيجية التي تركز على القاعدة الانتخابية فقط مع رئيس يرتكب الأخطاء لم يفعل شيئاً تقريباً من أجل «الرجال والنساء المنسيين»، وقد استعدى الناخبين المتعلمين في الجامعات والنساء وناخبي الضواحي.. هي التي وضعت مجلس النواب في أيدي خصومه «الديمقراطيين».
وإلى ذلك، فإنه وسط عدد من الفضائح يستطيع أي رئيس الركون إلى دوره كقائدٍ أعلى للقوات المسلحة وكمهندس للسياسة الخارجية الأميركية من أجل دعم هالة السلطة. لكن سياسة ترامب الخارجية، وبغض النظر عما لحقها من ضرر، تتصف بكونها في حالة فوضى وفقدان كبير للفعالية. فمن حربه التجارية التي تؤذي المزارعين والمستهلكين والتجار الأميركيين، إلى مخططه المتسرّع للانسحاب من سوريا، إلى تهديداته المستمرة لحلف «الناتو»، إلى تساهله مع الدكتاتور الكوري الشمالي «كيم جونغ أون».. فإن سياسة ترامب الخارجية تزيد من إضعاف سلطته أكثر فأكثر. وإذا كان الرئيس ريتشارد نيكسون قد استطاع الاعتماد على نجاحات السياسة الخارجية (الصين، مثلاً) لدعمه خلال أيام فضيحة «ووترغيت» السوداء، فإن سياسة ترامب الخارجية تزيد من إضعاف رئاسته.
كما أن أحكام ترامب المجتزأة جعلته يقيل أي مستشار يتمتع ببعض العقل والتجربة والتأثير. ونتيجة لذلك، لا يوجد أحد اليوم ليوقفه أو ليساعده على الخروج من المآزق التي يضع نفسه فيها. فليس ثمة جيم ماتيس ليُطمئِن الحلفاء ويمحص خطاب ترامب، ولا غاري كوهن ليرفض الرسوم الجمركية.. ولأنه لم يبق حوله سوى رجال يقولون له نعم في كل الأوقات، وأقارب ومساعدون عديمو الخبرة والتجربة، فقد باتت أخطاؤه تزداد وإنجازاته تقل. ومرة أخرى، يمكن القول إن ترامب هو عدو نفسه.
وأخيراً، فإن تحدي ترامب في الانتخابات التمهيدية الماضية كان أمراً شبه مستحيل. فبغض النظر عن مدى تعلق «الجمهوريين» به أمام الهجمات «الديمقراطية» والتغطية الإعلامية القاسية، إلا أنهم باتوا اليوم منفتحين بشكل متزايد على فكرة تحدي ترامب في الانتخابات التمهيدية الحالية. فوفق أحدث استطلاع للرأي، أجرته «إن بي آر – بي بي إس نيوز آور»، فإن 43 في المئة من «الجمهوريين» يرغبون في منافس لترامب في الانتخابات التمهيدية، مقابل 46 في المئة فقط لا يريدونه. وقد زاد التنصيبُ الثاني لحاكم ولاية ميريلاند لاري هوغان (جمهوري) الاهتمامَ به كمرشح للانتخابات الرئاسية. وإذا ترشح هوغان للانتخابات التمهيدية وبدأ يتحرك في استطلاعات الرأي، فإن آخرين قد يحذون حذوه.
هذا ليس تنبؤاً بأن ترامب سيُرغم على الاستقالة. فـ«الجمهوريون» ما زالوا متحدين ومتفانين. غير أنه بات من المرجح أكثر من أي وقت آخر أثناء رئاسته ألا يكملها أو لا يُرشح. ذلك أنه إذا حدث ونجا من المحاكمة، فإنه سيصل إلى الانتخابات الرئاسية منهكاً، وسيكون هدفاً أسهل من أي رئيس أميركي منذ الرئيس جيرالد فورد. وبالفعل، ومع مرور كل يوم، تبدو انتخابات 2020 أشبه بانتخابات 1976 بعد فضيحة «ووترغيت». فتخيلوا نيكسون مرشحاً لولاية ثانية في تلك الانتخابات!
*محللة سياسية أميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»